الدخول في أمر الله ـ لا سيما إذا كانت الرسالة العليا ـ هو طبعا صعب ، ولكنما الاستقامة فيه أصعب فإنه التمكن في المأمور به لحد يصبح المأمور راسخا فيما امر به غير محتمل الزوال ولا الخمول ، وحتى يصبح هو هو الأمر والاستقامة في الأمر كما أمر ، وقد روي «ما نزلت آية كانت أشق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذه الآية» (١) حيث تحمل إثباتات ونفيا : ٣ ـ (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) وإنما هوى واحدة هي هدى الله : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (٦ : ٥٦) (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٢ : ١٢٠) (.. إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٢ : ١٤٥) (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) (٢٣ : ١٧١).
٤ ـ (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ) دون فرق في هذا الإيمان وإنما في التطبيق ، حيث الكتاب الأخير يحتل دور التطبيق فلا يبقى بما أنزل قبله إلّا إيمان وتصديق ، ردا لإيمان العالمين كلهم إلى أصل واحد ، وردا على المفرقين بين الله ورسله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٤ : ١٥٣).
فالرسول يؤمن هكذا إيمان ، ويأمر الأمم أن يؤمنوا هكذا إيمان : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ..) (٢ : ٢٨٥) (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما
__________________
(١) تفسير بيان السعادة ج ٢ ص ٣٤٢.