بعدها من حرث الدنيا والآخرة؟.
هي أن الساعة الحساب الجزاء هي قضية اللطف القوة العزة ، وكذلك إيتاء حرث الدنيا لمن يريدها ، وزيادة الحرث لمن يريد الأخرى :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(٢٠) (١).
تشبيه عجيب وتمثيل مصيب ، فحرث الآخرة والدنيا هو كدح الكادح لثواب الآجلة وحطام العاجلة ، حيث الحارث المزدرع إنما يتوقع عاقبة حرثه فيجني ثمار غراسه ويفوز بعوائد ازدراعه.
إن الدنيا بما يسعى فيها مزرعة قد تعنى لها نفسها او تعنى للآخرة «فالدنيا مزرعة الآخرة» ولذلك يتقدم هنا (حَرْثَ الْآخِرَةِ) رغم تقدم الدنيا بحرثها في نقدها على الآخرة ، ف (إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢٩ : ٦٤).
إنما الدنيا زرع (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فمن كان يريد منه حرث الآخرة يزد الله له في حرثه ولا يحرمه دنياه كما يصلح لآخرته ، ومن كان يريد منه حرث الدنيا يؤت منها ، شيئا مما أرادها لا كلها ، وما له في الآخرة من نصيب.
فانظر إلى طلاب حرث الآخرة والأولى تكشف عن الحماقة الكبرى في إرادة حرث الدنيا ، وهو آت لا محالة لمن أرادها أو لم يردها ، فلكلّ نصيبه من حرث الدنيا وفق المقدّر له في حكمة الله ثم يبقى حرث الآخرة خالصا لمن أراده وعمل له (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً ـ وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها
__________________
(١) للاطلاع على تفصيل البحث راجع آية العاجلة في الأسرى.