سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً. كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (١٧ : ٢٠) (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١ : ١٨).
من طلاب حرث الدنيا نجد أغنياء وفقراء ، ومن طلاب حرث الآخرة نجد فقراء وأغنياء ، وأين فقراء من فقراء وأغنياء من أغنياء ، فكل ذلك محسوب حسب أسباب الرزق المتعلقة بالأوضاع العامة والاستعدادات الخاصة ، وإن كان الأغنياء في طلاب الدنيا أكثر من طلاب الآخرة ، وترى كم عمق هذا الحمق الذي يحصر الهم في إرادة حرث الدنيا ويحسره عن إرادة حرث الآخرة؟
إن الزيادة في حرث الآخرة مزيد رحمة من الله لطلابها في تقواهم والتسوية أو النقيصة في حرث الدنيا كذلك مزيد رحمة على العباد (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (٤٢ : ٢٧) وترك لتأييد أهل الدنيا في طغواهم.
ثم وإرادة حرث الدنيا قد تكون بعمل الآخرة فهي أردأ وأنكى وأضل سبيلا : ف «من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة» (١) و «ان المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه واخشوه خشية ليست بتعذير واعملوا
__________________
(١) نور الثقلين ٤ : ٥٦٩ ـ ح ٥٢ عن اصول الكافي بسند عن أبي عبد الله (عليه السلام).