النفي حيث الإستواء لا يكتفي بمفرد ، ولها نظائر (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) (٣٥ : ١٩) (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٣٥ : ٢٢).
أم انها للنفي ، نفيا لاستواء جنس الحسنة بأفرادها وجنس السيئة بأفرادها؟ فهو بأحرى نفيا للاستواء بين قبيل الحسنة والسيئة! ولو أن تأكيد النفي يبرر الزيادة في «لا» فلما ذا لم تزد فيما هو أولى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٥٩ : ٣٠) (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ)(٥ : ١٠٠) ولا سيما أن (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) كمثال واقعة بين الممثل أو مثال أولى (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) وهو أحرى بتأكيد النفي ، وعلّ الإستواء المنفي في (ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) ايضا هو بين الأحياء أنفسهم ، وبين الأموات ، ثم النفي بين الأحياء والأموات ، وبين الحسنة والسيئة هو نفي الاستواء بينهما بطريق أولى.
أم إنها لتأكيد النفي بين الحسنة والسيئة وللنفي بين مصاديق الحسنة ومصاديق السيئة؟
قولة الزيادة زيادة من القول ، والنفي ثابت إذ تقتضيه «لا» والجمع أولى فإنه أجمع وأحلى! فإذ لا تستوي الحسنة في أفرادها ، ولا السيئة في أفرادها ، فلا ينحصر دفع السيئة بسيئة أخرى ، فقد تكون سيئة تدفع بحسنة ف (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) وقد تكون سيئته لا تدفع إلّا بسيئة فلا مجال إذا لدفعها بحسنة ، فالمعاند المكذب بآيات الله ، الذي لا يرجى هداه ، ولا تصد هواه ، لا تدفع سيئته بحسنة ، بل (جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٢ : ٤١).
فالعفو في موضع الإصلاح دفع للسيئة بالحسنة ودرء لها (وَيَدْرَؤُنَ