ذكر عزيز ، هو تنزيل من حكيم حميد ، كيف يغلب بمن يريد فيه إلحادا ، فلو تطرّق إليه التحريف بزيادة أو نقصان لقضي على الذكر في تاريخ الرسالات ، ولكان ذكر الله مغلوبا لا ينتصر له ، ولم يكن الله حكيما في تنزيله ولا حميدا ، فإن في الحفاظ على الذكر الأخير حفاظا على سائر الذكر ، وفي تحريفه ـ وقد حرف قبله سائر الذكر ـ تحريف لشرعة الله ككلّ ، وقضاء على حجة الله البالغة بأسرها.
إن في صيانة القرآن عن التحريف صيانة لسائر كتب السماء ، وحجة بالغة دامغة على المتمسكين بها على تحرّفها عن جهات أشراعها ، ودافع لهم إلى التفتيش عن شرعة غير محرفة يلجئون إليها (١).
انه «الذكر» الذي يحمل معه كل ذكر في كتابات السماء ، فبحفظه تحفظ وبضياعه تضاع (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١٥ : ٩) تأكيدات تسع لا مثيل لها في سائر الذكر ولا ايّ من حقايق الدين الحق بأصوله وفروعه ، ولأنه ضمان له بأصوله وفروعه.
(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) تاكيدان لعزة الكتاب كما الله منزّله عزيز ، عزيز من عزيز يغلب ولا يغلب! إنه عزيز في لفظه ومعناه ، عزيز في حكمه ومغزاه ، عزيز في مبتدءه ومنتهاه ، لا يذل ولا يغلب مهما تربصوا له الدوائر ، عزة في مثلث الزمان بطوله وعرض المكان ، (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) مهما هاجمه المبطلون (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) وهي كل كتابات الوحي فضلا عن سواها ، وكل رجالات الوحي فضلا عن سواهم ، بل هي مصدقة له كما هم ، وهو مصدق لما بين يديه ، وهذا تعبير دائب في سائر القرآن عما نزل
__________________
(١) راجع كتابنا «المقارنات العلمية والكتابية بين الكتب السماوية».