٢ (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) والأعجمي هو الكتاب لو جعل أعجميا ، والعربي هم العرب ، يستنكرون ويتناكرون أن يجعل كتاب شرعتهم بغير لغتهم لا لشيء إلّا لأنهم عرب ، يتأنفون غيرهم وغير لغتهم ، ويتأنقون لأنفسهم ولغتهم ، فبالإمكان أن تترجم كل لغة بلغتهم لو كان القرآن بغير لغتهم ، وكما سائر المكلفين المرسل إليهم بشرعة القرآن ، يستعجمون لغة القرآن فإنها غير لغتهم ولكنهم لا يتأنفون ، فهم بين من يتعلم لغة القرآن ، أو يتعلم من عارفها فيتفهم بذلك القرآن ، وكما ترى الرعيل الأعلى من الأدباء العرب هم من غير العرب.
إن كتابا كالقرآن ، الموجه إلى العالمين كافة ، لا بد أن ينزل بلغة من اللغات عربية كانت أم أعجمية ، ولكنما العرب هم الذين يتنكرون لو جعل قرآنا أعجميا.
لذلك ترى الجواب ألّا منعة هنا إلّا اللّاإيمان ، حيث الإيمان يجد سبيله إلى شرعة القرآن بأية لغة كان : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) أيا كان لغتهم (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) وإن كان بلغتهم (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) كما قالوا (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)!
(أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) نداء يوم الدنيا إذ فصل بينهم وبين هدي القرآن كفرهم البعيد ، فكأنهم (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وهم قريبون إلى المنادي وقريبون إلى لغة النداء ، ولكن بعّدهم العداء فهم بعاد عن النداء! ومن ثم (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يوم الأخرى ، حيث المنادي الملائكي لا يقربهم ، فيناديهم من بعد ترذيلا لمكانتهم ، والمنادي الإلهي يناديهم من بعيد كمنادى رذيل لا يعبأ به.
وقد تكون حكمة نزول القرآن باللغة العربية أنها أفضل اللغات