(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠)
____________________________________
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ) تذكير إجمالى لنعمه تعالى بعد تعداد طائفة منها وكان الظاهر إيراده عقيبها تكملة لها على طريقة قوله تعالى (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) ولعل فصل ما بينهما بقوله تعالى (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) للمبادرة إلى إلزام الحجة وإلقام الحجر إثر تفصيل ما فصل من الأفاعيل التى هى أدلة الوحدانية مع ما فيه من سر ستقف عليه ودلالتها عليها وإن لم تكن مقصورة على حيثية الخلق ضرورة ظهور دلالتها من حيثية الإنعام أيضا لكنها حيث كانت مستتبعات الحيثية الأولى استغنى عن التصريح بهاثم بين حالها بطريق الإجمال أى إن تعدوا نعمته الفائضة عليكم مما ذكر وما لم يذكر حسبما يعرب عنه قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (لا تُحْصُوها) أى لا تطيقوا حصرها وضبط عددها ولو إجمالا فضلا* عن القيام بشكرها وقد خرجنا عن عهدة تحقيقه فى سورة إبراهيم بفضل الله سبحانه (إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) * حيث يستر ما فرط منكم من كفرانها والإخلال بالقيام بحقوقها ولا يعاجلكم بالعقوبة على ذلك (رَحِيمٌ) * حيث يفيضها عليكم مع استحقاقكم للقطع والحرمان بما تأتون وتذرون من أصناف الكفر التى من جملتها عدم الفرق بين الخالق وغيره وكل من ذلك نعمة وأيما نعمة فالجملة تعليل للحكم بعدم الإحصاء وتقديم وصف المغفرة على نعت الرحمة لتقدم التخلية على التحلية (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) تضمرونه من العقائد والأعمال (وَما تُعْلِنُونَ) أى تظهرونه منهما وحذف العائد لمراعاة الفواصل أى يستوى بالنسبة إلى علمه* المحيط سركم وعلنكم وفيه من الوعيد والدلالة على اختصاصه سبحانه بنعوت الإلهية مالا يخفى وتقديم السر على العلن لما ذكرناه فى سورة البقرة وسورة هود من تحقيق المساواة بين علميه المتعلقين بهما على أبلغ وجه كان علمه تعالى بالسر أقدم منه بالعلن أو لأن كل شىء يعلن فهو قبل ذلك مضمر فى القلب فتعلق علمه تعالى بحالته الأولى أقدم من تعلقه بحالته الثانية (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) شروع فى تحقيق كون الأصنام بمعزل من استحقاق العبادة وتوضيحه بحيث لا يبقى فيه شائبة ريب بتعديد أوصافها وأحوالها المنافية لذلك منافاة ظاهرة وتلك الأحوال وإن كانت غنية عن البيان لكنها شرحت للتنبيه على كمال حماقة عبدتها وأنهم لا يعرفون ذلك إلا بالتصريح أى والآلهة الذين يعبدهم الكفار (مِنْ دُونِ اللهِ) سبحانه* وقرىء على صيغة المبنى للمفعول وعلى الخطاب (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً) من الأشياء أصلا أى ليس من شأنهم* ذلك ولما لم يكن بين نفى الخالقية وبين المخلوقية تلازم بحسب المفهوم وإن تلازما فى الصدق أثبت لهم ذلك تصريحا فقيل (وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أى شأنهم ومقتضى ذاتهم المخلوقية لأنها ذوات ممكنة مفتقرة فى* ماهياتها ووجوداتها إلى الموجد وبناء الفعل للمفعول لتحقيق التضاد والمقابلة بين ما أثبت لهم وبين ما نفى