(أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣)
____________________________________
عنهم من وصفى المخلوقية والخالقية وللإيذان بعدم الافتقار إلى بيان الفاعل لظهور اختصاص الفعل بفاعله جل جلاله ويجوز أن يجعل الخلق الثانى عبارة عن النحت والتصوير رعاية للمشاكلة بينه وبين الأول ومبالغة فى كونهم مصنوعين لعبدتهم وأعجز عنهم وإيذانا بكمال ركاكة عقولهم حيث أشركوا بخالقهم مخلوقهم وأما جعل الأول أيضا عبارة عن ذلك كما فعل فلا وجه له إذ القدرة على مثل ذلك الخلق ليست مما يدور عليه استحقاق العبادة أصلا ولما أن إثبات المخلوقية لهم غير مستدع لنفى الحياة عنهم لما أن بعض المخلوقين أحياء صرح بذلك فقيل (أَمْواتٌ) وهو خبر ثان للموصول لا للضمير كما قيل أو خبر مبتدأ محذوف وحيث كان بعض الأموات مما يعتريه الحياة سابقا أو لاحقا كأجساد الحيوان والنطف* التى ينشئها الله تعالى حيوانا احترز عن ذلك فقيل (غَيْرُ أَحْياءٍ) أى لا يعتريها الحياة أصلا فهى أموات* على الإطلاق وأما قوله تعالى (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) أى ما يشعر أولئك الآلهة أيان يبعث عبدتهم فعلى طريقة التهكم بهم لأن شعور الجماد بالأمور الظاهرة بديهى الاستحالة عند كل أحد فكيف بما لا يعلمه إلا العليم الخبير وفيه إيذان بأن البعث من لوازم التكليف وإن معرفة وقته مما لا بدمنه فى الألوهية (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا يشاركه شىء فى شىء وهو تصريح بالمدعى وتمحيض للنتيجة غب إقامة الحجة* (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وأحوالها التى من جملتها ما ذكر من البعث وما يعقبه من الجزاء المستلزم* لعقوبتهم وذلتهم (قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) للوحدانية جاحدة لها أو للآيات الدالة عليها (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن الاعتراف بها أو عن الآيات الدالة عليها والفاء للإيذان بأن إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار وقع موقع النتيجة للدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة والمعنى أنه قد ثبت بما قرر من الحجج والبينات اختصاص الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارهم على ما ذكر من الإنكار والاستكبار وبناء الحكم المذكور على الموصول للإشعار بكونه معللا بما فى حين الصلة فإن الكفر بالآخرة وبما فيها من البعث والجزاء المتنوع إلى الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية يؤدى إلى قصر النظر على العاجل والإعراض عن الدلائل السمعية والعقلية الموجب لإنكارها وإنكار مؤداها والاستكبار عن اتباع الرسول صلىاللهعليهوسلم وتصديقه وأما الإيمان بها وبما فيها فيدعو لا محالة إلى التأمل فى الآيات والدلائل رغبة ورهبة فيورث ذلك يقينا بالوحدانية وخضوعا لأمر الله تعالى (لا جَرَمَ) أى* حقا وقد مر تحقيقه فى سورة هود (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من إنكار قلوبهم (وَما يُعْلِنُونَ) من استكبارهم* وقولهم للقرآن أساطير الأولين وغير ذلك من قبائحهم فيجازيهم بذلك (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) تعليل لما تضمنه الكلام من الوعيد أى لا يحب المستكبرين عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليها أو