(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٤)
____________________________________
أى لو علموا ذلك لزادوا فى الاجتهاد أو لما تألموا لما أصابهم من المهاجرة وشدائدها (الَّذِينَ صَبَرُوا) على* الشدائد من أذية الكفار ومفارقة الأهل والوطن وغير ذلك ومحله النصب أو الرفع على المدح (وَعَلى رَبِّهِمْ) خاصة (يَتَوَكَّلُونَ) منقطعين إليه تعالى معرضين عما سواه مفوضين إليه الأمر كله والجملة إما معطوفة على الصلة وتقديم الجار والمجرور للدلالة على قصر التوكل على الله تعالى وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام التوكل أو حال من ضمير صبروا (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) وقرىء بالياء مبنيا للمفعول وهو رد لقريش حين قالوا الله أجل من أن يكون له رسول من البشر كما هو مبنى قولهم لو شاء الله ما عبدنا الخ أى جرت السنة الإلهية حسبما اقتضته الحكمة بأن لا يبعث للدعوة العامة إلا بشرا يوحى إليهم بواسطة الملك أوامره ونواهيه ليبلغوها الناس ولما كان المقصود من الخطاب* لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تنييه الكفار على مضمونه صرف الخطاب إليهم فقيل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أى أهل* الكتاب أو علماء الأخبار أو كل من يذكر بعلم وتحقيق ليعلموكم ذلك (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه وفيه دلالة على أنه لم يرسل للدعوة العامة ملكا وقوله تعالى (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) معناه رسلا إلى الملائكة أو إلى الرسل ولا امرأة ولا صبيا ولا ينافيه نبوة عيسى عليه الصلاة والسلام وهو فى المهد لأنها أعم من الرسالة وإشارة إلى وجوب المراجعة إلى العلماء فيما لا يعلم (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) بالمعجزات والكتب والباء متعلقة بمقدر وقع جوابا عن سؤال من قال بم أرسلوا فقيل أرسلوا بالبينات والزبر أو بما أرسلنا داخلا تحت الاستثناء مع رجالا عند من يجوزه أى ما أرسلنا إلا رجالا بالبينات كقولك ما ضربت إلا زيدا بالسوط أو على نية التقديم قبل أداة الاستثناء أى ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالا عند من يجوز تأخر صلة ما قبل إلا إلى ما بعده أو بما وقع صفة للمستثنى أى إلا رجالا ملتبسين بالبينات أو بنوحى على المفعولية أو الحالية من القائم مقام فاعل يوحى وهو إليهم على أن قوله تعالى (فَسْئَلُوا) اعتراض أو بقوله (لا تَعْلَمُونَ) على أن الشرط للتبكيت كقول الأجير* إن كنت عملت لك فأعطنى حقى (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) أى القرآن وإنما سمى به لأنه تذكير وتنبيه* للغافلين (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ) كافة ويدخل فيهم أهل مكة دخولا أوليا (ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) فى ذلك الذكر من الأحكام والشرائع وغير ذلك من أحوال القرون المهلكة بأفانين العذاب حسب أعمالهم الموجبة لذلك على وجه التفصيل بيانا شافيا كما ينبىء عنه صيغة التفعيل فى الفعلين لا سيما بعد ورود الثانى أولا على صيغة الأفعال ولما أن التبيين أعم من التصريح بالمقصود ومن الإرشاد إلى ما يدل عليه دخل تحته القياس على* الإطلاق سواء كان فى الأحكام الشرعية أو غيرها ولعل قوله عزوجل (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) إشارة إلى