(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٤٧)
____________________________________
ذلك أى إرادة أن يتأملوا فيتنبهوا للحقائق وما فيه من العبر ويحترزوا عما يؤدى إلى مثل ما أصاب الأولين من العذاب (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ) هم أهل مكة الذين مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وراموا صد أصحابه عن الإيمان عليهم الرضوان لا الذين احتالوا لهلاك الأنبياء كما قيل ولا من يعم الفريقين لما أن المراد تحذير هؤلاء عن إصابة مثل ما أصاب أولئك من فنون العذاب المعدودة والسيئات نعت لمصدر محذوف أى مكروا المكرات السيئات التى قصت عنهم أو مفعول به للفعل المذكور على تضمينه معنى العمل أى عملوا السيئات فقوله تعالى (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ) مفعول لأمن أو السيئات صفة لما هو المفعول* أى أى أفأمن الماكرون العقوبات السيئة وقوله (أَنْ يَخْسِفَ) الخ بدل من ذلك وعلى كل حال فالفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه النظم الكريم أى أنزلنا إليك الذكر لتبين لهم مضمونه الذى من جملته أنباء الأمم المهلكة بفنون العذاب ويتفكروا فى ذلك ألم يتفكروا فأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض كما فعل بقارون على توجيه الإنكار إلى المعطوفين معا أو أتفكروا فأمنوا على توجيهه إلى المعطوف على أن الأمن بعد التفكر مما لا يكاد يفعله أحد وقيل هو عطف على مقدر ينبىء عنه الصلة أى أمكر فأمن الذين مكروا الخ (أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) بإتيانه أى فى حالة غفلتهم أو* من مأمنهم أو من حيث يرجون إتيان ما يشتهون كما حكى فيما سلف مما نزل بالماكرين (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أى فى حالة تقلبهم فى مسائرهم ومتاجرهم (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) بممتنعين أو فائتين بالهرب والفرار* على ما يوهمه حال التقلب والسير والفاء إما لتعليل الأخذ أو لترتيب عدم الإعجاز عليه دلالة على شدته وفظاعته حسبما قال عليهالسلام إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وإيراد الجملة الاسمية الدلالة على دوام النفى لا نفى الدوام (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) أى مخافة وحذر عن الهلاك والعذاب بأن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا فيأخذهم العذاب وهم متخوفون وحيث كانت حالتا التقلب والتخوف مظنة للهرب عبر عن إصابة العذاب فيهما بالأخذ وعن إصابته حالة الغفلة المنبئة عن السكون بالإتيان وقيل التخوف التنقص قال قائلهم[تخوف الرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن] أى يأخذهم على أن ينقصهم شيئا بعد شىء فى أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا والمراد بذكر الأحوال الثلاث بيان قدرة الله سبحانه على إهلاكهم بأى وجه كان لا الحصر فيها (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث لا يعاجلكم بالعقوبة* ويحلم عنكم مع استحقاقكم لها.