(وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٧٠)
____________________________________
* تلتبس (ذُلُلاً) جمع ذلول وهو حال من السبل أى مذللة غير متوعرة ذللها الله سبحانه وسهلها لك أو* من الضمير فى اسلكى أى أسلكى منقادة لما أمرت به (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها) استئناف عدل به عن خطاب النحل لبيان ما يظهر منها من تعاجيب صنع الله تعالى التى هى موضع العبرة بعد ما أمرت بما أمرت* (شَرابٌ) أى عسل لأنه مشروب واحتج به وبقوله تعالى (كُلِي) من زعم أن النحل تأكل الأزهار والأوراق العطرة فتستحيل فى بطنها عسلا ثم تقىء إدخارا للشتاء ومن زعم أنها تلتقط بأفواهها أجزاء قليلة حلوة صغيرة متفرقة على الأزهار والأوراق وتضعها فى بيوتها فإذا اجتمع فيها شىء كثير يكون عسلا فسر* البطون بالأفواه (مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) أبيض وأسود وأصفر وأحمر حسب اختلاف سن النحل أو الفصل* أو الذى أخذت منه العسل (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) إما بنفسه كما فى الأمراض البلغمية أو مع غيره كما فى سائر الأمراض إذ قلما يكون معجون لا يكون فيه عسل مع أن التنكير فيه مشعر بالتبعية ويجوز كونه للتفخيم وعن قتادة أن رجلا جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال إن أخى يشتكى بطنه فقال صلىاللهعليهوسلم اسقه العسل فذهب ثم رجع فقال قد سقيته فما نفع فقال اذهب فاسقه عسلا فقد صدق الله وكذب بطن أخيك فسقاه فبرىء كأنما أنشط من عقال وقيل الضمير للقرآن أو لما بين الله تعالى من أحوال النحل وعن ابن مسعود رضى الله عنه العسل شفاء لكل داء والقرآن شفاء لما فى الصدور فعليكم بالشفاءين العسل والقرآن* (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذى ذكر من أعاجيب آثار قدرة الله تعالى (لَآيَةً) عظيمة (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإن من تفكر فى اختصاص النحل بتلك العلوم الدقيقة والأفعال العجيبة المشتملة على حسن الصنعة وصحة القسمة التى لا يقدر عليها حذاق المهندسين إلا بآلات رقيقة وأدوات أنيقة وأنظار دقيقة جزم قطعا بأن له خالقا قادرا حكيما يلهمها ذلك ويهديها إليه جل جلاله (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) لما ذكر سبحانه من عجائب أحوال ما ذكر من الماء والنبات والأنعام والنحل أشار إلى بعض عجائب أحوال البشر من أول عمره إلى آخره وتطوراته فيما بين ذلك وقد ضبطوا مراتب العمر فى أربع الأولى سن النشو والنماء والثانية سن الوقوف وهى سن الشباب والثالثة سن الانحطاط القليل وهى سن الكهولة والرابعة سن الانحطاط* الكبير وهى سن الشيخوخة (ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ) حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على حكم بالغة بآجال مختلفة أطفالا* وشبابا وشيوخا (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) قبل توفيه أى يعاد (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) أى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة على ما روى عن على رضى الله عنه وتسعون سنة على ما نقل عن قتادة رضى الله عنه وقيل خمس وتسعون وإيثار الرد على الوصول والبلوغ ونحوهما للإيذان بأن بلوغه والوصول إليه رجوع فى الحقيقة إلى الضعف بعد القوة كقوله تعالى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) ولا عمر أسوا حالا من عمر* الهرم الذى يشبه الطفل فى نقصان العقل والقوة (لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ) كثير (شَيْئاً) من العلم أو من