(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤)
____________________________________
* الخلق أيضا أى ولقد جاء أهل تلك القرية (رَسُولٌ مِنْهُمْ) أى من جنسهم يعرفونه بأصله ونسبه فأخبرهم* بوجوب الشكر على النعمة وأنذرهم سوء عاقبة ما يأتون وما يذرون (فَكَذَّبُوهُ) فى رسالته أو فيما أخبرهم* به مما ذكر فالفاء فصيحة وعدم ذكره للإيذان بمفاجأتهم بالتكذيب من غير تلعثم (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) * المستأصل لشأفتهم غب ما ذاقوا نبذة من ذلك (وَهُمْ ظالِمُونَ) أى حال التباسهم بما هم عليه من الظلم الذى هو كفران نعم الله تعالى وتكذيب رسوله غير مقلعين عنه بما ذاقوا من مقدماته الزاجرة عنه وفيه دلالة على تماديهم فى الكفر والعناد وتجاوزهم فى ذلك كل حد معتاد وترتيب العذاب على تكذيب الرسول جرى على سنة الله تعالى حسبما يرشد إليه قوله سبحانه (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وبه يتم التمثيل فإن حال أهل مكة سواء ضرب المثل لهم خاصة أو لمن سار سيرتهم كافة محاذية لحال أهل تلك القرية حذو القذة بالقذة من غير تفاوت بينهما ولو فى خصلة فذة كيف لا وقد كانوا فى حرم آمن ويتخطف الناس من حولهم وما يمر ببالهم طيف من الخوف وكانت تجبى إليه ثمرات كل شىء ولقد جاءهم رسول منهم وأى رسول يحار فى إدراك سمو رتبته العقول صلىاللهعليهوسلم ما اختلف الدبور والقبول فكفروا بأنعم الله وكذبوا رسوله صلىاللهعليهوسلم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف حيث أصابهم بدعائه صلىاللهعليهوسلم بقوله اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف ما أصابهم من جدب شديد وأزمة حصت كل شىء حتى اضطرتهم إلى أكل الجيف والكلاب الميتة والعظام المحرفة والعلهز وهو الوبر المعالج بالدم وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم وقوافلهم ثم أخذهم يوم بدر ما أخذهم من العذاب هذا هو الذى يقتضيه المقام ويستدعيه حسن النظام وأما ما أجمع عليه أكثر أهل التفسير من أن الضمير فى قوله تعالى (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) لأهل مكة قد ذكر حالهم صريحا بعد ما ذكر مثلهم وأن المراد بالرسول محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبالعذاب ما أصابهم من الجدب ووقعة بدر فبمعزل من التحقيق كيف لا وقوله سبحانه (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) مفرع على نتيجة التمثيل وصد لهم عما يؤدى إلى مثل عاقبته والمعنى وإذ قد استبان لكم حال من كفر بأنعم الله وكذب رسوله وما حل بهم بسبب ذلك من اللتيا والتى أولا وآخرا فانتهوا عما أنتم عليه من كفران النعم وتكذيب الرسول صلىاللهعليهوسلم كيلا يحل بكم مثل ما حل بهم* واعرفوا حق نعم الله تعالى وأطيعوا رسوله صلىاللهعليهوسلم فى أمره ونهيه وكلوا من رزق الله حال كونه (حَلالاً طَيِّباً) وذروا ما تفترون من تحريم البحائر ونحوها (وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) واعرفوا حقها ولا تقابلوها بالكفران والفاء فى المعنى داخلة على الأمر بالشكر وإنما أدخلت على الأمر بالأكل لكون الأكل ذريعة إلى الشكر فكأنه قيل فاشكروا نعمة الله غب أكلها حلالا طيبا وقد أدمج فيه النهى عن زعم الحرمة ولا ريب فى أن هذا إنما يتصور حين كان العذاب المستأصل متوقعا بعد وقد تمهدت مباديه وبعد ما وقع ما وقع فمن ذا الذى يحظر ومن ذا الذى يؤمر بالأكل والشكر وحمل قوله تعالى (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ) على الاخبار بذلك قبل الوقوع يأباه الصدى لاستصلاحهم بالأمر والنهى وتوجيه خطاب الأمر بالأكل إلى المؤمنين