(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (١١٦)
____________________________________
مع أن ما يتلوه من خطاب النهى متوجه إلى الكفار كما فعله الواحدى حيث قال فكلوا أنتم يا معشر المؤمنين مما رزقكم الله من الغنائم مما لا يليق بشأن التنزيل الجليل (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أى تطيعون أو* إن صح زعمكم أنكم تقصدون بعبادة الآلهة عبادته تعالى (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) تعليل لحل ما أمرهم بأكله مما رزقهم أى إنما حرم هذه الأشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر والسوائب ونحوها (فَمَنِ اضْطُرَّ) بما اعتراه من الضرورة فتناول شيئا من ذلك (غَيْرَ باغٍ) * أى على مضطر آخر (وَلا عادٍ) أى متجاوز قدر الضرورة (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) أى لا يؤاخذه* بذلك فأقيم سببه مقامه وفى التعرض لوصف الربوبية إيماء إلى علة الحكم وفى الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم إظهار لكمال اللطف به صلىاللهعليهوسلم وتصدير الجملة بإنما لحصر المحرمات فى الأجناس الأربعة إلا ما ضم إليه كالسباع والحمر الأهلية ثم أكد ذلك بالنهى عن التحريم والتحليل بأهوائهم فقال (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ) اللام صلة مثلها فى قوله تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) أى لا تقولوا فى شأن ما تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة فى قولكم ما فى بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر فضلا عن استناده إلى وحى أو قياس مبنى عليه (الْكَذِبَ) * منتصب بلا تقولوا وقوله تعالى (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) بدل منه ويجوز أن يتعلق بتصف على إرادة* القول أى لا تقولوا لما تصف ألسنتكم فتقول هذا حلال وهذا حرام وأن يكون القول المقدر حالا من ألسنتهم أى قائلة هذا حلال الخ ويجوز أن ينتصب الكذب بتصف ويتعلق هذا حلال الخ بلا تقولوا واللام للتعليل وما مصدرية أى لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أى لا تحلوا ولا تحرموا لمجرد وصف ألسنتكم الكذب وتصويرها له بصورة مستحسنة وتزيينها له فى المسامع كأن ألسنتهم لكونها منشأ للكذب ومنبعا للزور شخص عالم بكنهه ومحيط بحقيقته يصفه للناس ويعرفه أوضح وصف وأبين تعريف على طريقة الاستعارة بالكناية كما يقال وجهه يصف الجمال وعينه تصف السحر وقرىء بالجر صفة لما مع مدخولها كأنه قيل لوصفها الكذب بمعنى الكاذب كقوله تعالى (بِدَمٍ كَذِبٍ) والمراد بالوصف وصفها البهائم بالحل والحرمة وقرب الكذب جمع كذوب بالرفع صفة للألسنة وبالنصب على الشتم أو بمعنى الكلم الكواذب أو هو جمع الكذاب من قولهم كذب كذبا ذكره ابن جنى (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) *
__________________
(١) قوله (فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التلاوة فان الله غفور رحيم وحينئذ فلا حاجة لبيان نكتة التعبير بالربوبية المضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام بقوله (وفى التعرض لوصف الربوبية الخ).