(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (١٢٦)
____________________________________
حكاية أمر النبى صلىاللهعليهوسلم باتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبين أمره صلىاللهعليهوسلم بالدعوة إليها من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه فتأمل (ادْعُ) أى من بعثت إليهم من الأمة قاطبة فحذف المفعول للتعميم أو افعل الدعوة كما فى قولهم يعطى ويمنع أى يفعل الإعطاء والمنع فحذفه للقصد إلى إيجاد نفس الفعل إشعارا بأن عموم الدعوة غنى عن البيان وإنما المقصود الأمر بإيجادها على وجه مخصوص (إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) إلى الإسلام الذى عبر عنه* تارة بالصراط المستقيم وأخرى بملة إبراهيم عليهالسلام وفى التعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية وتبليغ الشىء إلى كماله اللائق شيئا فشيئا مع إضافة الرب إلى ضمير النبى صلىاللهعليهوسلم فى مقام الأمر بدعوة الأمة على الوجه الحكيم وتكميلهم بأحكام الشريعة الشريفة من الدلالة على إظهار اللطف به عليه الصلاة والسلام والإيماء إلى وجه بناء الحكم مالا يخفى (بِالْحِكْمَةِ) أى بالمقالة المحكمة الصحيحة وهو الدليل الموضح* للحق المزيح للشبهة (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) أى الخطابيات المقنعة والعبر النافعة على وجه لا يخفى عليهم أنك* تناصحهم وتقصد ما ينفعهم فالأولى لدعوة خواص الأمة الطالبين للحقائق والثانية لدعوة عوامهم ويجوز أن يكون المراد بهما القرآن المجيد فإنه جامع لكلا الوصفين (وَجادِلْهُمْ) أى ناظر معانديهم (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بالطريقة التى هى أحسن طرق المناظرة والمجادلة من الرفق واللين واختيار الوجه الأيسر واستعمال المقدمات المشهورة تسكينا لشغبهم وإطفاء للهبهم كما فعله الخليل عليهالسلام (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) الذى أمرك بدعوة الخلق إليه وأعرض عن قبول الحق بعد ما عاين ما عاين من الحكم والمواعظ والعبر (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) إليه بذلك وهو تعليل لما ذكر من الأمرين والمعنى والله تعالى أعلم اسلك* فى الدعوة والمناظرة الطريقة المذكورة فإنه تعالى هو أعلم بحال من لا يرعوى عن الضلال بموجب استعداده المكتسب وبحال من يصير أمره إلى الاهتداء لما فيه من خير جبلى فما شرعه لك فى الدعوة هو الذى تقتضيه الحكمة فإنه كاف فى هداية المهتدين وإزالة عذر الضالين أو ما عليك إلا ما ذكر من الدعوة والمجادلة بالأحسن وأما حصول الهداية أو الضلال والمجازاة عليهما فإلى الله سبحانه إذ هو أعلم بمن يبقى على الضلال وبمن يهتدى إليه فيجازى كلا منهما بما يستحقه وتقديم الضالين لما أن مساق الكلام لهم وإيراد الضلال بصيغة الفعل الدال على الحدوث لما أنه تغيير لفطرة الله التى فطر الناس عليها وإعراض عن الدعوة وذلك أمر عارض بخلاف الاهتداء الذى هو عبارة عن الثبات على الفطرة والجريان على موجب الدعوة ولذلك جىء به على صيغة الاسم المنبىء عن الثبات وتكرير هو أعلم للتأكيد والإشعار بتباين حال المعلومين ومآلهما من العقاب والثواب وبعد ما أمره عليه الصلاة والسلام فيما يختص به من شأن الدعوة بما أمره به من الوجه اللائق عقبه بخطاب شامل له ولمن شايعه فيما يعم الكل فقال (وَإِنْ عاقَبْتُمْ)