(وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (١٢٧)
____________________________________
* أى إن أردتم المعاقبة على طريقة قول الطبيب للمحتمى إن أكلت فكل قليلا (فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) أى بمثل ما فعل بكم وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب نحو كما تدين تدان أو على نهج المشاكلة والمقصود إيجاب مراعاة العدل مع من يناصبهم من غير تجاوز حين ما آل الجدال إلى القتال وأدى النزاع إلى القراع فإن الدعوة المأمور بها لا تكاد تنفك عن ذلك كيف لا وهى موجبة لصرف الوجوه عن القبل المعبودة وإدخال الأعناق فى قلادة غير معهودة قاضية عليهم بفساد ما يأتون وما يذرون وبطلان دين استمرت عليه آباؤهم الأولون وقد ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل وسدت عليهم طرق المحاجة والمناظرة وأرتجت دونهم أبواب المباحثة والمحاورة وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزة رضى الله عنه يوم أحد قد مثل به قال لئن أظفرنى الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراده وقرىء وإن عقبتم فعقبوا أى وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم غير متجاوزين عنه والأمر وإن دل على إباحة المماثلة فى المثلة من غير تجاوز لكن فى تقييده* بقوله (وَإِنْ عاقَبْتُمْ) حث على العفو تعريضا وقد صرح به على الوجه الآكد فقيل (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ) أى عن* المعاقبة بالمثل (لَهُوَ) أى لصبركم ذلك (خَيْرٌ) لكم من الانتصار بالمعاقبة وإنما قيل (لِلصَّابِرِينَ) مدحا لهم وثناء عليهم بالصبر أو وصفا لهم بصفة تحصل لهم عند ترك المعاقبة ويجوز عود الضمير إلى مطلق الصبر المدلول عليه بالفعل فيدخل فيه صبرهم كدخول أنفسهم فى جنس الصابرين دخولا أوليا ثم أمر عليه الصلاة والسلام صريحا بما ندب إليه غيره تعريضا من الصبر لأنه أولى الناس بعزائم الأمور لزيادة علمه بشئونه سبحانه ووفور وثوقه به فقيل (وَاصْبِرْ) أى على ما أصابك من جهتهم من فنون الآلام* والأذية وعاينت من إعراضهم عن الحق بالكلية (وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) استثناء مفرغ من أعم الأشياء أى وما صبرك ملابسا ومصحوبا بشىء من الأشياء إلا بالله أى بذكره والاستغراق فى مراقبة شئونه والتبتل إليه بمجامع الهمة وفيه من تسليته عليه الصلاة والسلام وتهوين مشاق الصبر عليه وتشريفه ما لا مزيد عليه أو إلا بمشيئته المبنية على حكم بالغة مستتبعة لعواقب حميدة فالتسلية من حيث اشتماله على غايات جميلة وقيل إلا بتوفيقه ومعونته فهى من حيث تسهيله وتيسيره فقط (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أى على الكافرين بوقوع اليأس من إيمانهم بك ومتابعتهم لك نحو فلا تأس على القوم الكافرين وقيل على المؤمنين وما* فعل بهم والأول هو الأنسب بجزالة النظم الكريم (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) بالفتح وقرىء بالكسر وهما لغتان كالقول والقيل أى لا تكن فى ضيق صدر وحرج ويجوز أن يكون الأول تخفيف ضيق كهين من* هين أى فى أمر ضيق (مِمَّا يَمْكُرُونَ) أى من مكرهم بك فيما يستقبل فالأول نهى عن التألم بمطلوب من قبلهم فات والثانى عن التألم بمحذور من جهتهم آت والنهى عنهما مع أن انتفاءهما من لوازم الصبر المأمور به لا سيما على الوجه الأول لزيادة التأكيد وإظهار كمال العناية بشأن التسلية وإلا فهل يخطر ببال من توجه إلى الله سبحانه بشراشر نفسه متنزها عن كل ما سواه من الشواغل شىء من المطلوب فينهى عن الحزن