(ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩) أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (٤٠)
____________________________________
ومكروها بدل من سيئة أو صفة لها محمولة على المعنى فإنه بمعنى سيئا وقد قرىء به أو مجرى على موصوف مذكر أى أمرا مكروها أو مجرى مجرى الأسماء زال عنه معنى الوصفية ويجوز كونه حالا من المستكن فى كان أو فى الظرف على أنه صفة سيئة وقرىء سيئاته وقرىء شأنه (ذلِكَ) أى الذى تقدم من التكاليف المفصلة (مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ) أى بعض منه أو من جنسه (مِنَ الْحِكْمَةِ) التى هى علم الشرائع أو معرفة* الحق لذاته والعمل به أو من الأحكام المحكمة التى لا يتطرق إليها النسخ والفساد وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن هذه الآيات الثمانى عشرة كانت فى ألواح موسى عليهالسلام أولها لا تجعل مع الله إلها آخر قال تعالى وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وهى عشر آيات فى التوراة ومن إما متعلقة بأوحى على أنها تبعيضية أو ابتدائية وإما بمحذوف وقع حالا من الموصول أو من ضميره المحذوف فى الصلة أى كائنا من الحكمة وإما بدل من الموصول بإعادة الجار (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم والمراد* غيره ممن يتصور منه صدور المنهى عنه وقد كرر للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه وأنه رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم ينفعه علومه وحكمه وإن بذفيها أساطين الحكماء وحك بيافوخه عنان السماء وقد رتب عليه ما هو عائدة الإشراك أو لا حيث قيل فتقعد مذموما مخذولا ورتب عليه ههنا نتيجته فى العقبى فقيل (فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً) من جهة نفسك ومن جهة غيرك (مَدْحُوراً) مبعدا من رحمة الله تعالى* وفى إيراد الإلقاء مبنيا للمفعول جرى على سنن الكبرياء وازدراء بالمشرك وجعل له من قبيل خشبة يأخذها آخذ بكفه فيطرحها فى التنور (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) خطاب للقائلين بأن الملائكة بنات الله سبحانه والإصفاء بالشىء جعله خالصا والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يفسره المذكور أى أفضلكم على جنابه فحصكم بأفضل الأولاد على وجه الخلوص وآثر لذاته أخسها وأدناها كما فى قوله سبحانه (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) وقوله تعالى (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وقد قصد ههنا بالتعرض لعنوان الربوبية تشديد النكير وتأكيده وأشير بذكر الملائكة عليهمالسلام وإيراد الإناث مكان البنات إلى كفرة لهم أخرى وهى وصفهم لهم عليهمالسلام بالأنوثة التى هى أخس صفات الحيوان كقوله تعالى (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ) بمقتضى مذهبكم الباطل الذى* هو إضافة الولد إليه سبحانه (قَوْلاً عَظِيماً) لا يقادر قدره فى استتباع الإثم وخرقه لقضايا العقول بحيث* لا يجترىء عليه أحد حيث يجعلونه تعالى من قبيل الأجسام المتجانسة السريعة الزوال وليس كمثله شىء وهو الواحد القهار الباقى بذاته ثم تضيفون إليه ما تكرهون من أخس الأولاد وتفضلون عليه أنفسكم بالبنين ثم تصفون الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق بالأنوثة التى هى أخس أوصاف الحيوان فيا لها