(وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤١) قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً (٤٢) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً) (٤٣)
____________________________________
من ضلة ما أقبحها وكفرة ما أشنعها وأفظعها (وَلَقَدْ صَرَّفْنا) هذا المعنى وكررناه (فِي هذَا الْقُرْآنِ) على* وجوه من التصريف فى مواضع منه وإنما ترك الضمير تعويلا على الظهور وقرىء بالتخفيف (لِيَذَّكَّرُوا) ما فيه ويقفوا على بطلان ما يقولونه والالتفات إلى الغيبة للإيذان باقتضاء الحال أن يعرض عنهم ويحكى للسامعين هناتهم وقرىء بالتخفيف من الذكر بمعنى التذكر ويجوز أن يراد بهذا القرآن ما نطق ببطلان مقالتهم المذكورة من الآيات الكريمة الواردة على أسالب مختلفة ومعنى التصريف فيه جعله مكانا له أى أوقعنا فيه التصريف كقوله يجرح فى عراقيها نصلى وقد جوز أن يراد به إبطال إضافتهم إليه تعالى* البنات وأنت تعلم أن إبطالها من آثار القرآن ونتائجها (وَما يَزِيدُهُمْ) أى والحال أنه ما يزيدهم ذلك التصريف* البالغ (إِلَّا نُفُوراً) عن الحق وإعراضا عنه فضلا عن التذكر المؤدى إلى معرفة بطلان ما هم عليه من القبائح (قُلْ) فى إظهار بطلان ذلك من جهة أخرى (لَوْ كانَ مَعَهُ) تعالى (آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ) أى المشركون قاطبة وقرىء بالتاء خطابا لهم من قبل النبى صلىاللهعليهوسلم والكاف فى محل النصب على أنها نعت لمصدر محذوف أى* كونا مشابها لما يقولون والمراد بالمشابهة الموافقة والمطابقة (إِذاً لَابْتَغَوْا) جواب عن مقالتهم الشنعاء* وجزاء للو أى لطلبوا (إِلى ذِي الْعَرْشِ) أى إلى من له الملك والربوبية على الإطلاق (سَبِيلاً) بالمغالبة والممانعة كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض على طريقة قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقيل بالتقرب إليه تعالى كقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) والأول هو الأظهر الأنسب (سُبْحانَهُ) فإنه صريح فى أن المراد بيان أنه يلزم مما يقولونه محذور عظيم من حيث لا يحتسبون وأما ابتغاء السبيل إليه تعالى بالتقرب فليس مما يختص بهذا التقرير ولا هو مما يلزمهم من حيث لا يشعرون* بل هو أمر يعتقدونه رأسا أى تنزه بذاته تنزها حقيقا به (وَتَعالى) متباعدا (عَمَّا يَقُولُونَ) من العظيمة* التى هى أن يكون معه آلهة وأن يكون له بنات (عُلُوًّا) تعاليا كقوله تعالى (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (كَبِيراً) لا غاية وراءه كيف لا وإنه سبحانه فى أقصى غايات الوجود وهو الوجوب الذاتى وما يقولونه من أن له تعالى شركاء وأولادا فى أبعد مراتب العدم أعنى الامتناع لا لأنه تعالى فى أعلى مراتب الوجود وهو كونه واجب الوجود لذاته واتخاذ الولد من أدنى مراتبه فإنه من خواص ما يمتنع بقاؤه كما قيل فإن ما يقولونه ليس مجرد اتخاذ الولد بل اتخاذه تعالى له وأن يكون معه آلهة ولا ريب فى أن ذلك ليس بداخل فى حد الإمكان فضلا عن دخوله تحت الوجود وكونه من أدنى مراتب الوجود إنما هو بالنسبة إلى من شأنه ذلك.