(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤٤) وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦)
____________________________________
(تُسَبِّحُ) بالفوقانية وقرىء بالتحتانية وقرىء سبحت (لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) من الملائكة والثقلين على أن المراد بالتسبيح معنى منتظم لما ينطق به لسان المقال ولسان الحال بطريق عموم المجاز (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء حيوانا كان أو نباتا أو جمادا (إِلَّا يُسَبِّحُ) ملتبسا (بِحَمْدِهِ) أى ينزهه* تعالى بلسان الحال عما لا يليق بذاته الأقدس من لوازم الإمكان ولواحق الحدوث إذ ما من موجود إلا وهو بإمكانه وحدوثه يدل دلالة واضحة على أن له صانعا عليما قادرا حكيما واجبا لذاته قطعا للسلسلة (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) أيها المشركون لإخلالكم بالنظر الصحيح الذى به يفهم ذلك وقرىء* لا يفقهون على صيغة المبنى للمفعول من باب التفعيل (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) ولذلك لم يعاجلكم بالعقوبة مع* ما أنتم عليه من موجباتها من الإعراض عن التدبر فى الدلائل الواضحة الدالة على التوحيد والانهماك فى الكفر والإشراك (غَفُوراً) لمن تاب منكم (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) الناطق بالتسبيح والتنزيه ودعوتهم إلى العمل بما فيه من التوحيد ورفض الشرك وغير ذلك من الشرائع (جَعَلْنا) بقدرتنا ومشيئتنا المبنية* على دواعى الحكم الخفية (بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أوثر الموصول على الضمير ذما لهم بما* فى حيز الصلة وإنما خص بالذكر كفرهم بالآخرة من بين سائر ما كفروا به من التوحيد ونحوه دلالة على أنها معظم ما أمروا بالإيمان به فى القرآن وتمهيدا لما سينقل عنهم من إنكار البعث واستعجاله ونحو ذلك (حِجاباً) يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النبوة ويفهموا قدرك الجليل ولذلك اجترءوا على* تفوه العظيمة التى هى قولهم إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وحمل الحجاب على ما روى عن أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنه من أنه لما نزلت سورة تبت أقبلت العوراء أم جميل امرأة أبى لهب وفى يدها فهر والنبى صلىاللهعليهوسلم قاعد فى المسجد ومعه أبو بكر رضى الله عنه فلما رآها قال يا رسول الله لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك قال صلىاللهعليهوسلم إنها لن ترانى وقرأ قرآنا فوقفت على أبى بكر رضى الله عنه ولم تر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مما لا يقبله الذوق السليم ولا يساعده النظم الكريم (مَسْتُوراً) ذاستر كما فى قولهم سيل مفعم أو مستورا عن* الحس بمعنى غير حسى أو مستورا فى نفسه بحجاب آخر أو مستورا كونه حجابا حيث لا يدرون أنهم لا يدرون (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أغطية كثيرة جمع كنان (أَنْ يَفْقَهُوهُ) مفعول لأجله أى كراهة أن يفقهوه أو مفعول لما دل عليه الكلام أى منعناهم أن يقفوا على كنهه ويعرفوا أنه من عند الله تعالى (وَفِي *