(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) (٥٩)
____________________________________
أى مخربوها البتة بالخسف بها أو بإهلاك أهلها بالمرة لما ارتكبوا من عظائم الموبقات المستوجب لذلك* وفى صيغة الفاعل وإن كانت بمعنى المستقبل ما ليس فيه من الدلالة على التحقق والتقرر وإنما قيل (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ) لأن الإهلاك يومئذ غير مختص بالقرى الكافرة ولا هو بطريق العقوبة وإنما هو لانقضاء عمر الدنيا* (أَوْ مُعَذِّبُوها) أى معذبوا أهلها على الإسناد المجازى (عَذاباً شَدِيداً) لا بالقتل والسبى ونحوهما من البلايا الدنيوية فقط بل بما لا يكتنه كنهه من فنون العقوبات الأخروية أيضا حسبما يفصح عنه إطلاق التعذيب عما قيد به الإهلاك من قبلية يوم القيامة كيف لا وكثير من القرى العاتية العاصية قد أخرت عقوباتها إلى يوم* القيامة (كانَ ذلِكَ) الذى ذكر من الإهلاك والتعذيب (فِي الْكِتابِ) أى اللوح المحفوظ (مَسْطُوراً) مكتوبا لم يغادر منه شىء إلا بين فيه بكيفياته وأسبابه الموجبة له ووقته المضروب له هذا وقد قيل الهلاك للقرى الصالحة والعذاب للطالحة وعن مقاتل وجدت فى كتاب الضحاك بن مزاحم فى تفسيرها أما مكة فيخربها الحبشة وتهلك المدينة بالجوع والبصرة بالغرق والكوفة بالترك والجبال بالصواعق والرواجف وأما خراسان فهلاكها ضروب ثم ذكرها بلدا بلدا وقال الحافظ أبو عمرو الدوانى فى كتاب الفتن أنه روى عن وهب ابن منبه أن الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب أرمينية وأرمينية آمنة حتى تخرب مصر ومصر آمنة حتى تخرب الكوفة ولا تكون الملحمة الكبرى حتى تخرب الكوفة فإذا كانت الملحمة الكبرى فتحت قسطنطينية على يدى رجل من بنى هاشم وخراب الأندلس من قبل الزنج وخراب أفريقية من قبل الأندلس وخراب مصر من انقطاع النيل واختلاف الجيوش فيها وخراب العراق من الجوع وخراب الكوفة من قبل عدو من ورائهم يحصرهم حتى لا يستطيعون أن يشربوا من الفرات قطرة وخراب البصرة من قبل الغرق وخراب الأيلة من قبل عدو يحصرهم برا وبحرا وخراب الرى من الديلم وخراب خراسان من قبل التبت وخراب التبت من قبل الصين وخراب الهند واليمن من قبل الجراد والسلطان وخراب مكة من الحبشة وخراب المدينة من قبل الجوع وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلىاللهعليهوسلم قال آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة وقد أخرجه العمرى من هذا الوجه وأنت خبير بأن تعميم القرية لا يساعده السباق ولا السياق (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ) أى الآيات التى اقترحتها قريش من إحياء الموتى وقلب الصفا ذهبا* ونحو ذلك (إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ) استثناء مفرغ من أعم الأشياء أى وما منعنا إرسالها شىء من الأشياء إلا تكذيب الأولين بها حين جاءتهم باقتراحهم وعدم إرساله تعالى بها وإن كان بمشيئته المبنية على الحكم البالغة لا لمنع مانع عن ذلك من التكذيب أو غيره لاستحالة العجز عليه تعالى لكن تكذيبهم المذكور بواسطة استتباعه لاستئصالهم بحكم السنة الإلهية واستلزامه لتكذيب الآخرين بحكم الاشتراك فى العتو والعناد وإفضائه إلى أن يحل بهم مثل ما حل بهم بحكم الشركة فى الجريرة لما كان منافيا لإرسال ما اقترحوه