(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠)
____________________________________
من الآيات لتعيين التكذيب المستدعى للاستئصال المخالف لما جرى به قلم القضاء من تأخير عقوبات هذه الأمة إلى الآخرة لحكم باهرة من جملتها ما يتوهم من إيمان بعض أعقابهم عبر عن تلك المنافاة بالمنع على نهج الاستعارة إيذانا بتعاضد مبادى الإرسال لا كما زعموا من عدم إرادته تعالى لتأييده صلىاللهعليهوسلم بالمعجزات وهو السر فى إيثار الإرسال على الإيتاء لما فيه من الإشعار بتداعى الآيات إلى النزول لو لا أن تمسكها يد التقدير وإسناد على هذا المنع إلى تكذيب الأولين لا إلى عمله تعالى بما سيكون من الآخرين كما فى قوله تعالى (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لإقامة الحجة عليهم بإبراز الأنموذج وللإيذان بأن مدار عدم الإجابة إلى إيتاء مقترحهم ليس إلا صنيعهم (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ) عطف على ما يفصح عنه* النظم الكريم كأنه قيل وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون حيث آتيناهم ما اقترحوا من الآيات الباهرة فكذبوها وآتينا باقتراحهم ثمود الناقة (مُبْصِرَةً) على صيغة الفاعل أى بينة ذات إبصار* أو بصائر يدركها الناس أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازا أو جاعلتهم ذوى بصائر من أبصره جعله بصيرا وقرىء على صيغة المفعول وبفتح الميم والصاد وهى نصب على الحالية وقرىء بالرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف (فَظَلَمُوا بِها) فكفروا بها ظالمين أى لم يكتفو بمجرد الكفر بها بل فعلوا بها ما فعلوا من العقر أو ظلموا أنفسهم* وعرضوها للهلاك بسبب عقرها ولعل تخصيصها بالذكر لما أن ثمود عرب مثلهم وأن لهم من العلم بحالهم ما لا مزيد عليه حيث يشاهدون آثار هلاكهم ورودا وصدورا أو لأنها من جهة أنها حيوان أخرج من الحجر أوضح دليل على تحقق مضمون قوله تعالى (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ) المقترحة* (إِلَّا تَخْوِيفاً) لمن أرسلت هى عليهم مما يعقبها من العذاب المستأصل كالطليعة له وحيث لم يخافوا ذلك فعل* بهم ما فعل فلا محل للجملة حينئذ من الاعراب ويجوز أن تكون حالا من ضمير ظلموا أى فظلموا بها ولم يخافوا عاقبته والحال أنا ما نرسل بالآيات التى هى من جملتها إلا تخويفا من العذاب الذى يعقبها فنزل بهم ما نزل (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) أى علما كما نقله الإمام الثعلبى عن ابن عباس رضى الله عنهما فلا يخفى عليه شىء من أفعالهم الماضية والمستقبلة من الكفر والتكذيب وفى قوله تعالى (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) إلى آخر الآية تنبيه على تحققها بالاستدلال عليها بما صدر عنهم عند مجىء بعض الآيات لاشتراك الكل فى كونها أمورا خارقة للعادات منزلة من جانب الله سبحانه لتصديق النبى صلىاللهعليهوسلم فتكذيبهم لبعضها مستلزم لتكذيب الباقى كما أن تكذيب الآخرين بغير المقترحة يدل على تكذيبهم بالآيات المقترحة والمراد بالرؤيا ما عاينه صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج من عجائب الأرض والسماء حسبما ذكر فى فاتحة السورة الكريمة والتعبير عن ذلك بالرؤيا إما لأنه لا فرق بينها وبين الرؤية أو لأنها وقعت بالليل أو لأن الكفرة قالوا لعلها رؤيا أى وما جعلنا الرؤيا التى أريناكها عيانا مع كونها أية عظيمة وأية آية حقيقة بأن