(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٦١)
____________________________________
* لا يتلعثم فى تصديقها أحد ممن له أدنى بصيرة إلا فتنة افتتن بها الناس حتى ارتد بعضهم (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) عطف على (الرُّؤْيَا) والمراد بلعنها فيه لعن طاعمها على الإسناد المجازى أو إبعادها عن الرحمة فإنها تنبت فى أصل الجحيم فى أبعد مكان من الرحمة أى وما جعلناها إلا فتنة لهم حيث أنكروا ذلك وقالوا إن محمدا يزعم أن الجحيم يحرق الحجارة ثم يقول ينبت فيها الشجر ولقد ضلوا فى ذلك ضلالا بعيدا حيث كابروا قضية عقولهم فإنهم يرون النعامة تبتلع الجمر وقطع الحديد المحماة فلا تضرها ويشاهدون المناديل المتخذة من وبر السمندر تلقى فى النار فلا تؤثر فيها ويرون أن فى كل شجر نارا وقرىء بالرفع على حذف الخبر كأنه قيل والشجرة* الملعونة فى القرآن كذلك (وَنُخَوِّفُهُمْ) بذلك وبنظائرها من الآيات فإن الكل للتخويف وإيثار صيغة الاستقبال* للدلالة على التجدد والاستمرار فما يزيدهم التخويف (إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) متجاوزا عن الحد فلو أنا أرسلنا بما اقترحوه من الآيات لفعلوا بها ما فعلوا بنظائرها وفعل بهم ما فعل بأشياعهم وقد قضينا بتأخير العقوبة العامة لهذه الأمة إلى الطامة الكبرى هذا هو الذى يستدعيه النظم الكريم وقد حمل أكثر المفسرين الإحاطة على الإحاطة بالقدرة تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عما عسى يعتريه من عدم الإجابة إلى إنزال الآيات التى اقترحوها لأن إنزالها ليس بمصلحة من نوع حزن من طعن الكفرة حيث كانوا يقولون لو كنت رسولا حقا لأتيت بهذه المعجزات كما أتى بها موسى وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكأنه قيل اذكر وقت قولنا لك إن ربك اللطيف بك قد أحاط بالناس فهم فى قبضة قدرته لا يقدرون على الخروج من مشيئته فهو يحفظك منهم فلا تهتم بهم وامض لما أمرتك به من تبليغ الرسالة ألا يرى أن الرؤيا التى أريناك من قبل جعلناها فتنة للناس مورثة للشبهة مع أنها ما أورثت ضعفا لأمرك وفتورا فى حالك وقد فسر الإحاطة بإهلاك قريش يوم بدر وإنما عبر عنه بالماضى مع كونه منتظرا حسبما ينبىء عنه قوله تعالى (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) وقوله تعالى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ) وغير ذلك جريا على عادته سبحانه فى أخباره وأولت الرؤيا بما رآه صلىاللهعليهوسلم فى المنام من مصارعهم لما روى أنه صلىاللهعليهوسلم لما ورد ماء بدر قال والله لكأنى أنظر إلى مصارع القوم وهو يومىء إلى الأرض هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فتسامعت به قريش فاستسخروا منه وبما رآه صلىاللهعليهوسلم أنه سيدخل مكة وأخبربه أصحابه فتوجه إليها فصده عام المشركون الحديبية واعتذر عن كون ما ذكر مدنيا بأنه يجوز أن يكون الوحى بإهلاكهم وكذا الرؤيا واقعا بمكة وذكر الرؤيا وتعيين المصارع رافعين بعد الهجرة وأنت خبير بأنه يلزم منه أن يكون افتتان الناس بذلك واقعا بعد الهجرة وأن يكون ازديادهم طغيانا متوقعا غير واقع عند نزول الآية وقد قيل الرؤيا ما رآه صلىاللهعليهوسلم فى وقعة بدر من مضمون قوله تعالى (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) ولا ريب فى أن تلك الرؤيا مع وقوعها فى المدينة ما جعلت فتنة للناس (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ) تذكير لما جرى منه تعالى من الأمر ومن الملائكة من الامتثال والطاعة من غير تردد وتحقيق لمضمون ما سبق من قوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) ويعلم