(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) (٣٠)
____________________________________
إلى الحق وتأمل فى تضاعيف ما نزل من دلائله الواضحة وحقيقة الإنابة الدخول فى نوبة الخير وإيثار إيرادها فى الصلة على إيراد المشيئة كما فى الصلة الأولى للتنبيه على الداعى إلى الهداية بل إلى مشيئتها والإشعار بما دعا إلى المشيئة الأولى من المكابرة وفيه حث للكفرة على الإقلاع عما هم عليه من العتو والعناد وإيثار صيغة الماضى للإيماء إلى استدعاء الهداية لسابقة الإنابة كما أن إيثار صيغة المضارع فى الصلة الأولى للدلالة على استمرار المشيئة حسب استمرار مكابرتهم (الَّذِينَ آمَنُوا) بدل ممن أناب فإن أريد بالهداية الهداية المستمرة فالأمر ظاهر لظهور كون الإيمان مؤديا إليها وإن أريد إحداثها فالمراد بالذين آمنوا الذين صار أمرهم إلى الإيمان كما فى قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أى الصائرين إلى التقوى وإلا فالإيمان لا يؤدى إلى الهداية نفسها أو خبر مبتدأ* محذوف أى هم الذين آمنوا أو منصوب على المدح (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) أى تستقر وتسكن (بِذِكْرِ اللهِ) بكلامه المعجز الذى لا ريب فيه كقوله تعالى (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) وقوله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ويعلمون أن لا أعظم منه فيقترحوها والعدول إلى صيغة المضارع لإفادة دوام الاطمئنان وتجدده حسب تجدد* الآيات وتعددها (أَلا بِذِكْرِ اللهِ) وحده (تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) دون غيره من الأمور التى تميل إليها الفوس من الدنيا ويات وهذا ظاهر وأما سائر المعجزات فالقصر من حيث إنها ليست فى إفادة الطمأنينة بالنسبة إلى من لم يشاهدها بمثابة القرآن المجيد فإنه معجزة باقية إلى يوم القيامة يشاهدها كل أحد وتطمئن به القلوب كافة وفيه إشعار بأن الكفرة ليست لهم قلوب وأفئدتهم هواء حيث لم يطمئنوا بذكر الله تعالى ولم يعدوه آية وهو أظهر الآيات وأبهرها وقيل تطمئن قلوبهم بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته كقوله تعالى (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أو بذكر دلائله الدالة على وحدانيته أو بذكره جل وعلا أنسابه وتبتلا إليه فالمراد بالهداية دوامها واستمرارها (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بدل من القلوب على حذف المضاف بدل الكل حسبما رمز إليه أى قلوب الذين آمنوا وفيه إيماء إلى أن* الإنسان إنما هو القلب أو مبتدأ خبره الجملة الدعائية على التأويل أعنى قوله (طُوبى لَهُمْ) أو خبر مبتدأ مضمر أو نصب على المدح فطوبى لهم حال عاملها الفعلان وطوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى والواو منقلبة من الياء كموقن وموسر وقرأ مكوزة الأعرابى طيبى لتسلم الياء والمعنى أصابوا خيرا ومحلها النصب كسلاما لك أو الرفع على الابتداء وإن كانت نكرة لكونها فى معنى الدعاء كسلام عليك يدل على ذلك القراءة فى قوله تعالى (وَحُسْنُ مَآبٍ) بالنصب والرفع واللام فى لهم للبيان مثلها فى سقيا لك (كَذلِكَ)