(وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣١)
____________________________________
مثل ذلك الارسال العظيم الشأن المصحوب بهذه المعجزة الباهرة (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ) أى مضت* (مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) كثيرة قد أرسل إليهم رسل (لِتَتْلُوَا) لتقرأ (عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) من الكتاب* العظيم الشأن وتهديهم إلى الحق رحمة لهم وتقديم المجرور على المنصوب من قبيل الإبهام ثم البيان كما فى قوله تعالى (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) وفيه ما لا يخفى من ترقب النفس إلى ما سيرد وحسن قبولها له عند وروده عليها (وَهُمْ) أى والحال أنهم (يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) بالبليغ الرحمة الذى وسعت كل شىء رحمته وأحاطت* به نعمته والعدول إلى المظهر المتعرض لوصف الرحمة من حيث إن الإرسال ناشىء منها كما قال تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) فلم يقدروا قدره ولم يشكروا نعمه لا سيما ما أنعم به عليهم بإرسال مثلك إليهم وإزال القرآن الذى هو مدار المنافع الدينية والدنياوية عليهم وقيل نزلت فى مشركى مكة حين أمروا بالسجود فقالوا وما الرحمن (قُلْ هُوَ) أى الرحمن الذى كفرتم به وأنكرتم معرفته (رَبِّي) الرب فى الأصل بمعنى* التربية وهى تبليغ الشىء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصف به مبالغة كالصوم والعدل وقيل هو نعت أى خالقى ومبلغى إلى مراتب الكمال وإيراده قبل قوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أى لا مستحق للعبادة سواه تنبيه على أن* استحقاق العبادة منوط بالربوبية وقيل إن أبا جهل سمع النبى صلىاللهعليهوسلم يقول يا ألله يا رحمن فرجع إلى المشركين فقال إن محمدا يدعو إلهين فنزلت ونزل قوله تعالى (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) * فى جميع أمورى لا سيما فى النصرة عليكم لا على أحد سواه (وَإِلَيْهِ) خاصة (مَتابِ) أى توبتى كقوله تعالى* (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) أمر عليهالسلام بذلك إبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله تعالى وأنها صفة الأنبياء وبعثا للكفرة على الرجوع عما هم عليه بأبلغ وجه وألطفه فإنه عليهالسلام حيث أمر بها وهو منزه عن شائبة اقتراف ما يوجبها من الذنب وإن قل فتوبتهم وهم عاكفون على أنواع الكفر والمعاصى مما لا بد منه أصلا وقد فسر المتاب بمطلق الرجوع فقيل مرجعى ومرجعكم وزيد فيحكم بينى وبينكم وقد قيل فيثيبنى على مصابرتكم فتأمل (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) أى قرآنا ما وهو اسم أن والخبر قوله تعالى (سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) وجواب لو محذوف لانسياق الكلام إليه بحيث يتلقفه السامع من التالى والمقصود إما بيان عظم شأن القرآن العظيم وفساد رأى الكفرة حيث لم يقدروا قدره العلى ولم يعدوه من قبيل الآيات فاقترحوا غيره مما أوتى موسى وعيسى عليهماالسلام وإما بيان غلوهم فى المكابرة والعناد وتماديهم فى الضلال والفساد فالمعنى على الأول لو أن قرآنا سيرت به الجبال أى بإنزاله أو بتلاوته عليها وزعزعت عن مقارها كما فعل ذلك بالطور لموسى عليه الصلاة والسلام (أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) أى شققت وجعلت أنهارا وعيونا* كما فعل بالحجر حين ضربه عليهالسلام بعصاه أو جعلت قطعا متصدعة (أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) أى بعد أن*