(إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (٤)
____________________________________
أى فيما يتلى عليك ذكرها وقرىء ذكر رحمة ربك على صيغة الماضى من التذكير أى هذا المتلو ذكرها وقرىء ذكر على صيغة الأمر والتعرض لوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم للإيذان بأن تنزيل السورة عليه صلىاللهعليهوسلم تكميل له صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى (عَبْدَهُ) مفعول ل (رَحْمَةِ رَبِّكَ) على* أنها مفعول لما أضيف إليها وقيل للذكر على أنه مصدر أضيف إلى فاعله على الاتساع ومعنى ذكر الرحمة بلوغها وإصابتها كما يقال ذكرنى معروف فلان أى بلغنى وقوله عز وعلا (زَكَرِيَّا) بدل منه أو عطف* بيان له (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا) ظرف لرحمة ربك وقيل لذكر على أنه مضاف إلى فاعله اتساعا لا على الوجه الأول لفساد المعنى وقيل هو بدل اشتمال من زكريا كما فى قوله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) ولقد راعى عليه الصلاة والسلام حسن الأدب فى إخفاء دعائه فإنه مع كونه بالنسبة إليه عزوجل كالجهر أدخل فى الإخلاص وأبعد من الرياء وأقرب إلى الخلاص عن لائمة الناس على طلب الولد لتوقفه على مباد لا يليق به تعاطيها فى أوان الكبر والشيخوخة وعن غائلة مواليه الذين كان يخافهم وقيل كان ذلك منه عليهالسلام لضعف الهرم قالوا كان سنه حينئذ ستين وقيل خمسا وستين وقيل سبعين وقيل خمسا وسبعين وقيل ثمانين وقيل أكثر منها كما مر فى تفسير سورة آل عمران (قالَ) جملة مفسرة لنادى لا محل لها من الإعراب (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) إسناد الوهن إلى العظم لما أنه عماد البدن ودعام الجسد فإذا* أصابه الضعف والرخاوة أصاب كله أو لأنه أشد أجزائه صلابة وقواما وأقلها تأثرا من العلل فإذا وهن كان ما وراءه أوهن وإفراده للقصد إلى الجنس المنبىء عن شمول الوهن لكل فرد من أفراده ومنى متعلق بمحذوف هو حال من العظم وقرىء وهن بكسر الهاء وبضمها أيضا وتأكيد الجملة لإبراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمونها (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) شبه عليه الصلاة والسلام الشيب فى البياض والإنارة بشواظ* النار وانتشاره فى الشعر وفشوه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعالها ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أسند الاشتعال إلى محل الشعر ومنبته وأخرجه مخرج التمييز وأطلق الرأس اكتفاء بما قيد به العظم وفيه من فنون البلاغة وكمال الجزالة ما لا يخفى حيث كان الأصل اشتعل شيب رأسى فأسند الاشتعال إلى الرأس كما ذكر لإفادة شموله لكلها فإن وزانه بالنسبة إلى الأصل وزان اشتعل بيته نارا بالنسبة إلى اشتعل النار فى بيته ولزيادة تقريره بالإجمال أولا والتفصيل ثانيا ولمزيد تفخيمه بالتنكير وقرىء بإدغام السين فى الشين (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أى ولم أكن بدعائى إياك خائبا فى وقت من أوقات هذا العمر الطويل بل كلما دعوتك استجبت لى والجملة معطوفة على ما قبلها أو حال من ضمير المتكلم إذ المعنى واشتعل رأسى شيبا وهذا توسل منه عليه الصلاة والسلام بما سلف منه من الاستجابة عند كل دعوة إثر تمهيد ما يستدعى الرحمة ويستجلب الرأفة من كبر السن وضعف الحال فإنه تعالى بعد ما عود عبده بالإجابة دهرا طويلا لا يكاد