(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (٦)
____________________________________
يخيبه أبدا لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره والتعرض فى الموضعين لوصف الربوبية المنبئة عن إضافة ما فيه صلاح المربوب مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام لا سيما توسيطه بين كان وخبرها لتحريك سلسلة الإجابة بالمبالغة فى التضرع ولذلك قيل إذا أراد العبد أن يستجاب له دعاؤه فليدع الله تعالى بما يناسبه من أسمائه وصفاته (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) عطف على قوله تعالى (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ) مترتب مضمونه على مضمونه فإن ضعف القوى وكبر السن من مبادى خوفه عليهالسلام من يلى أمره بعد موته ومواليه* بنو عمه وكانوا أشرار بنى إسرائيل فخاف أن لا يحسنوا خلافته فى أمته ويبدلوا عليهم دينهم وقوله (مِنْ وَرائِي) أى بعد موتى متعلق بمحذوف ينساق إليه الذهن أى فعل الموالى من بعدى أو جور الموالى وقد قرىء كذلك أو بما فى الموالى من معنى الولاية أى خفت الذين يلون الأمر من ورائى لا بخفت لفساد المعنى وقرىء وراى بالقصر وفتح الياء وقرىء خفت الموالى من ورائى أى قلوا وعجزوا عن القيام بأمور الدين بعدى أو خفت الموالى القادرون على إقامة مراسم الملة ومصالح الأمة من خف القوم أى ارتحلوا مسرعين* أى درجوا قدامى ولم يبق منهم من به تقو واعتضاد فالظرف حينئذ متعلق بخفت (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) * أى لا تلد من حين شبابها (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) كلا الجارين متعلق بهب لاختلاف معنييهما فاللام صلة له ومن لابتداء الغاية مجازا وتقديم الأول لكون مدلوله أهم عنده ويجوز تعلق الثانى بمحذوف وقع حالا من المفعول ولدن فى الأصل ظرف بمعنى أول غاية زمان أو مكان أو غيرهما من الذوات وقد مر تفصيله فى أوائل سورة آل عمران أى أعطنى من محض فضلك الواسع وقدرتك الباهرة بطريق الاختراع* لا بواسطة الأسباب العادية (وَلِيًّا) أى ولدا من صلبى وتأخيره عن الجارين لإظهار كمال الاعتناء بكون الهبة له على ذلك الوجه البديع مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس مستشرفة فعند وروده لها يتمكن عندها فضل تمكن ولأن فيه نوع طول بما بعده من الوصف فتأخيرهما عن الكل أو توسيطهما بين الموصوف والصفة مما لا يليق بجزالة النظم الكريم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قيلها فإن ما ذكره عليه الصلاة السلام من كبر السن وضعف القوى وعقر المرأة موجب لانقطاع رجائه عليهالسلام عن حصول الولد بتوسط الأسباب العادية واستيهابه على الوجه الخارق للعادة ولا يقدح فى ذلك أن يكون هناك داع آخر إلى الإقبال على الدعاء المذكور من مشاهدته عليهالسلام للخوارق الظاهرة فى حق مريم كما يعرب عنه قوله تعالى (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) الآية وعدم ذكره ههنا للتعويل على ذكره هناك كما أن عدم ذكر مقدمة الدعاء هناك للاكتفاء بذكره ههنا فإن الاكتفاء مما ذكر فى موطن عما ترك فى موطن آخر من النكت التنزيلية وقوله تعالى (يَرِثُنِي) صفة لوليا وقرىء هو وما عطف عليه بالجزم جوابا للدعاء أى يرثنى من حيث العلم والدين والنبوة فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون المال قال صلىاللهعليهوسلم