(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) (٧)
____________________________________
نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة وقيل يرثنى الحبورة وكان عليهالسلام حبرا (وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) يقال ورثه وورث منه لغتان وآل الرجل خاصته الذين يؤول إليه أمرهم للقرابة أو الصحبة أو الموافقة فى الدين وكانت زوجة زكريا أخت أم مريم أى ويرث منهم الملك قيل هو يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وقال الكلبى ومقاتل هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان من نسل سليمان عليهالسلام وكان آل يعقوب أخوال يحيى بن زكريا قال الكلبى كان بنو ماثان رءوس بنى إسرائيل وملوكهم وكان زكريا رئيس الأحبار يومئذ فأراد أن يرثه ولده حبورته ويرث من بنى ماثان ملكهم وقرىء ويرث وارث آل يعقوب على أنه حال من المستكن فى يرث وقرىء أو يرث آل يعقوب بالتصغير ففيه إيماء إلى وراثته عليهالسلام لما يرثه فى حالة صغره وقرىء وارث من آل يعقوب على أنه فاعل يرثنى على طريقة التجريد أى يرثنى به وارث وقيل من للتبعيض إذ لم يكن كل آل يعقوب عليهالسلام أنبياء ولا علماء (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مرضيا عندك قولا وفعلا وتوسيط رب بين مفعولى اجعل للمبالغة* فى الاعتناء بشأن ما يستدعيه (يا زَكَرِيَّا) على إرادة القول أى قال تعالى يا زكريا (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) لكن لا بأن يخاطبه عليه الصلاة والسلام بذلك بالذات بل بواسطة الملك على أن يحكى له عليه الصلاة والسلام هذه العبارة عنه عزوجل على نهج قوله تعالى (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الآية وقد مر تحقيقه فى سورة آل عمران وهذا جواب لندائه عليه الصلاة والسلام ووعد بإجابة دعائه لكن لا كلا كما هو المتبادر من قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) الخ بل بعضا حسبما تقتضيه المشيئة الإلهية المبنية على الحكم البالغة فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا مستجابى الدعوة لكنهم ليسوا كذلك فى جميع الدعوات ألا يرى إلى دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فى حق أبيه وإلى دعوة النبى صلىاللهعليهوسلم حيث قال وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها وقد كان من قضائه عز وعلا أن يهبه يحيى نبيا مرضيا ولا يرثه فاستجيب دعاؤه فى الأول دون الثانى حيث قتل قبل موت أبيه عليهما الصلاة والسلام على ما هو المشهور وقيل بقى بعده برهة فلا إشكال حينئذ وفى تعيين اسمه عليه الصلاة والسلام تأكيد للوعد وتشريف له عليه الصلاة والسلام وفى تخصيصه به عليهالسلام حسبما يعرب عنه قوله تعالى (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) * أى شريكا له فى الاسم حيث لم يسم أحد قبله بيحيى مزيد تشريف وتفخيم له عليه الصلاة والسلام فإن التسمية بالأسامى البديعة الممتازة عن أسماء سائر الناس تنويه بالمسمى لا محالة وقيل سميا شبها فى الفضل والكمال كما فى قوله تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فإن المتشاركين فى الوصف بمنزلة المتشاركين فى الاسم قالوا لم يكن له عليه الصلاة والسلام مثل فى أنه لم يعص الله تعالى ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد من شيخ فان وعجوز عاقر وأنه كان حصورا فيكون هذا إجمالا لما نزل بعده من قوله تعالى (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) والأظهر أنه اسم أعجمى وإن كان عربيا فهو منقول عن الفعل كيعمر ويعيش قيل سمى به لأنه حى به رحم أمه أوحى دين الله تعالى بدعوته.