(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (٢٩)
____________________________________
أى ذلك الرطب وماء السرى أو من الرطب وعصيره (وَقَرِّي عَيْناً) وطيبى نفسا وارفضى عنها ما أحزنك* وأهمك فإنه تعالى قد نزه ساحتك عما اختلج فى صدور المتعبدين بالأحكام العادية بأن أظهر لهم من البسائط العنصرية والمركبات النباتية ما يخرق العادات التكوينية ويرشدهم إلى الوقوف على سريرة أمرك وقرىء وقرى بكسر القاف وهى لغة نجد واشتقاقه من القرار فإن العين إذا رأت ما يسر النفس سكنت إليه من النظر إلى غيره أو من القر فإن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ولذلك يقال قرة العين وسخنة العين للمحبوب والمكروه (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) أى آدميا كائنا من كان وقرىء ترئن على لغة من يقول* لبأت بالحج لما بين الهمزة والياء من التآخى (فَقُولِي) له إن استنطقك (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) أى صمتا* وقد قرىء كذلك أو صياما وكان صيامهم بالسكوت (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) أى بعد أن أخبرتكم بنذرى* وإنما أكلم الملائكة وأناجى ربى وقيل أمرت بأن تخبر بنذرها بالإشارة وهو الأظهر قال الفراء العرب تسمى كل ما وصل إلى الإنسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام وإنما أمرت بذلك لكراهة مجادلة السفهاء ومناقلتهم والاكتفاء بكلام عيسى عليهالسلام فإنه نص قاطع فى قطع الطعن (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها) أى جاءتهم مع ولدها راجعة إليهم عند ما طهرت من نفسها (تَحْمِلُهُ) أى حاملة له (قالُوا) مؤنبين لها (يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ) أى فعلت (شَيْئاً فَرِيًّا) أى عظيما بديعا منكرا من فرى الجلد أى قطعه أو جئت مجيئا عجيبا عبر عنه بالشىء تحقيقا للاستغراب (يا أُخْتَ هارُونَ) استئناف لتجديد التعبير وتأكيد التوبيخ عنوابه هرون النبى صلىاللهعليهوسلم وكانت من أعقاب من كان معه فى طبقة الأخوة وقيل كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة وقيل هو رجل صالح أو طالح كان فى زمانهم شبهوها به أى كنت عندنا مثله فى الصلاح أو شتموها به (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) تقرير لكون ما جاءت به فريا منكرا وتنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) أى إلى عيسى عليهالسلام أن كلموه والظاهر أنها حينئذ بينت نذرها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أمرت ففيه دلالة على أن المأمور به بيان نذرها بالإشارة لا بالعبارة والجمع بينهما مما لا عهد به (قالُوا) * منكرين لجوابها (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) ولم نعهد فيما سلف صبيا يكلمه عاقل وقيل كان لإيقاع* مضمون الجملة فى زمان ماض مبهم صالح لقريبه وبعيده وهو ههنا لقريبه خاصة بدليل أنه مسوق للتعجب وقيل هى زائدة والظرف صلة من وصبيا حال من المستكن فيه أوهى تامة أو دائمة كما فى قوله تعالى (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).