(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٣٤)
____________________________________
(قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من سياق النظم الكريم كأنه قيل فما ذا كان بعد ذلك فقيل قال عيسى عليهالسلام (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) أنطقه الله عزوجل بذلك آثر ذى أثير تحقيقا للحق وردا على من يزعم ربوبيته قيل كان المستنطق لعيسى زكريا عليهما الصلاة والسلام وعن السدى رضى الله عنه لما أشارت إليه غضبوا وقالوا لسخريتها بنا أشد علينا مما فعلت وروى أنه عليهالسلام كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار إليهم بسبابته فقال ما قال الخ وقيل كلمهم بذلك ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان (آتانِيَ الْكِتابَ) أى الإنجيل (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (وَجَعَلَنِي) مع ذلك (مُبارَكاً) نفاعا معلما للخير والتعبير بلفظ الماضى فى الأفعال الثلاثة إما باعتبار ما سبق فى القضاء المحتوم أو بجعل ما فى شرف الوقوع لا محالة واقعا وقيل أكمله الله عقلا واستنبأه طفلا (أَيْنَ ما كُنْتُ) أى حيثما كنت (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ) أى أمرنى بها أمرا مؤكدا (وَالزَّكاةِ) زكاة المال إن ملكته أو بتطهير النفس عن الرذائل (ما دُمْتُ حَيًّا) فى الدنيا (وَبَرًّا بِوالِدَتِي) عطف على مباركا أى جعلنى بارا بها وقرىء بالكسر على أنه مصدر وصف به مبالغة أو منصوب بمضمر دل عليه أوصانى أى وكلفنى برا ويؤيده القراءة بالكسر والجر عطفا على الصلاة والزكاة والتنكير للتفخيم (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) عنيدا لله تعالى لفرط تكبره (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) كما هو على يحيى على أن التعريف للعهد والأظهر أنه للجنس والتعريض باللعن على أعدائه فإن إثبات جنس السلام لنفسه تعريض بإثبات ضده لأضداده كما فى قوله تعالى (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) فإنه تعريض بأن العذاب على من كذب وتولى (ذلِكَ) إشارة إلى من فصلت نعوته الجليلة وما فيه من معنى البعد للدلالة على علو مرتبته وبعد منزلته* وامتيازه بتلك المناقب الحميدة عن غيره ونزوله منزلة المشاهد المحسوس (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) لا ما يصفه النصارى وهو تكذيب لهم فيما يزعمونه على الوجه الأبلغ والمنهاج البرهانى حيث جعله موصوفا بأضداد* ما يصفونه (قَوْلَ الْحَقِّ) بالنصب على أنه مصدر مؤكد لقال إنى عبد الله الخ وقوله تعالى (ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) اعتراض مقرر لمضمون ما قبله وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى هو قول الحق الذى لا ريب فيه والإضافة للبيان والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة وقيل صفة عيسى أو بدله أو خبر ثان