(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩)
____________________________________
لعطف الجملة المنفية على مقدر يدل عليه يقول أى أيقول ذلك ولا يذكر (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) أى من قبل* الحالة التى هو فيها وهى حالة بقائه (وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) أى والحال أنه لم يكن حينئذ شيئا أصلا فحيث خلقناه وهو* فى تلك الحالة المنافية للخلق بالكلية مع كونه أبعد من الوقوع فلأن نبعثه بجمع المواد المتفرقة وإيجاد مثل ما كان فيها من الأعراض أولى وأظهر فماله لا يذكره فيقع فيما يقع فيه من النكير وقرىء يذكر ويتذكر على الأصل (فَوَ رَبِّكَ) إفسامه باسمه عزت أسماؤه مضافا إلى ضميره عليهالسلام لتحقيق الأمر بالإشعار بعليته وتفخيم شأنه صلىاللهعليهوسلم ورفع منزلته (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أى لنجمعن القائلين بالسوق إلى المحشر بعد* ما أخرجناهم من الأرض أحياء ففيه إثبات للبعث بالطريق البرهانى على أبلغ وجه وآكده كأنه أمر واضح غنى عن التصريح به وإنما المحتاج إلى البيان ما بعد ذلك من الأهوال (وَالشَّياطِينَ) معطوف على الضمير* المنصوب أو مفعول معه روى أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين التى كانت تغويهم كل منهم مع شيطانه فى سلسلة وهذا وإن كان مختصا بهم لكن ساغ نسبته إلى الجنس باعتبار أنهم لما حشروا وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين فقد حشروا معهم جميعا كما ساغ نسبة القول المحكى إليه مع كون القائل بعض أفراده (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) ليرى السعداء ما نجاهم الله تعالى منه فيزدادوا غبطة وسرورا* وينال الأشقياء ما ادخروا لمعادهم عدة ويزدادوا غيظا من رجوع السعداء عنهم إلى دار الثواب وشماتتهم بهم والجثى جمع جاث من جثا إذا قعد على ركبتيه وأصله جثو وبواوين فاستثقل اجتماعهما بعد ضمتين فكسرت الثاء للتخفيف فانقلبت الواو الأولى ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء الأولى وكسرت الجيم إتباعا لما بعدها وقرىء بضمها ونصبه على الحالية من الضمير البارز أى لنحضرنهم حول جهنم جاثين على ركبهم لما يدهمهم من هول المطلع أو لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التواصل إلى الثواب والعقاب فإن أهل الموقف جاثون كما ينطق به قوله تعالى (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) على ما هو المعتاد فى مواقف التقاول وإن كان المراد بالإنسان الكفرة فلعلهم يساقون من الموقف إلى شاطىء جهنم جثاة إهانة بهم أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشدة (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) أى من كل أمة شاعت دينا من الأديان (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أى من كان منهم أعصى وأعتى فنطرحهم فيها وفى ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى يعفو عن بعض من أهل العصيان وعلى تقدير تفسير الإنسان بالكفرة فالمعنى إنا نميز من كل طائفة منهم أعصاهم فأعصاهم وأعتاهم فأعتاهم فنطرحهم فى النار على الترتيب أو ندخل كلا منهم طبقتها اللائقة به وأيهم مبنى على الضم عند سيبويه لأن حقه أن يبنى كسائر الموصولات لكنه أعرب حملا على كل وبعض للزوم الإضافة وإذا حذف صدر صلته زاد نقصه فعاد إلى حقه ومنصوب المحل بننزعن ولذلك قرىء منصوبا ومرفوع عند غيره بالابتداء