(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) (٧٩)
____________________________________
كَفَرَ بِآياتِنا) أى بآياتنا التى من جملتها آيات البعث نزلت فى العاص بن وائل كان لخباب بن الأرت عليه مال فاقتضاه فقال لا حتى تكفر بمحمد قال لا والله لا أكفر به حيا ولا ميتا ولا حين بعثت قال فإذا بعثت جئنى فيكون لى ثمة مال وولد فأعطيك وفى رواية قال لا أكفر به حتى بميتك ثم تبعث فقال إنى لميت ثم مبعوث قال نعم قال دعنى حتى أموت وأبعث فسأوتى مالا وولدا فاقضيك فنزلت فالهمزة للتعجيب من حاله والإيذان بأنها من الغرابة والشناعة بحيث يجب أن ترى ويقضى منها العجب ومن فرق بين ألم ترو أرأيت بعد بيان اشتراكهما فى الاستعمال لقصد التعجيب بأن الأول يعلق بنفس المتعجب منه فيقال ألم تر إلى الذى صنع كذا بمعنى انظر إليه فتعجب من حاله والثانى يعلق بمثل المتعجب منه فيقال أرأيت مثل الذى صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل فقد حفظ شيئا وغابت عنه أشياء وكأنه ذهب عليه قوله عزوجل (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أى أنظرت فرأيت الذى كفر بآياتنا الباهرة التى حقها أن يؤمن بها كل من يشاهدها (وَقالَ) مستهزئا بها مصدرا لكلامه باليمين* الفاجرة والله (لَأُوتَيَنَّ) فى الآخرة (مالاً وَوَلَداً) أى انظر إليه فتعجب من حالته البديعة وجراءته* الشنيعة هذا هو الذى يستدعيه جزالة النظم الكريم وقد قيل إن أرأيت بمعنى أخبر والفاء على أصلها والمعنى أخبر بقصة هذا الكافر عقيب حديث أولئك الذين قالوا أى الفريقين خير مقاما الآية وأنت خبير بأن المشهور استعمال أرأيت فى معنى أخبرنى بطريق الاستفهام جاريا على أصله أو مخرجا إلى ما يناسبه من المعانى لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره وقرىء ولدا على أنه جمع ولد كأسد جمع أسد أو على أنه لغة فيه كالعرب والعرب وقوله تعالى (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) رد لكلمته الشنعاء وإظهار لبطلانها إثر ما أشير إليه بالتعجيب منها أى أقد بلغ من عظمة الشأن إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذى استأثر به العليم الخبير حتى ادعى أن أن يؤتى فى الآخرة مالا وولدا وأقسم عليه (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بعلية الرحمة لإيتاء ما يدعيه وقيل العهد كلمة الشهادة وقيل العمل الصالح فإن وعده تعالى بالثواب عليهما كالعهد وهذا مجاراة مع اللعين بحسب منطوق مقاله كما أن كلامه مع خباب كان كذلك وقوله تعالى (كَلَّا) ردع له عن التفوه بتلك العظيمة وتنبيه على خطئه (سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ) أى سنظهر أنا كتبنا قوله كقوله [إذا ما نتسبنا لم تلدنى لئيمة] أى يتبين* أنى لم تلدنى لئيمة أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة الجانى وحفظها عليه فإن نفس الكتبة لا تكاد تتأخر عن القول لقوله عز وعلا (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فمبنى الأول تنزيل إظهار الشىء الخفى منزلة إحداث الأمر المعدوم بجامع أن كلا منهما إخراج من الكمون إلى البروز فيكون استعارة تبعية مبنية على تشبيه إظهار الكتابة على رءوس الأشهاد بإحداثها ومدار الثانى تسمية الشىء باسم سببه فإن