(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧)
____________________________________
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) تعجيب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم مما نطقت به الآيات الكريمة السالفة وحكته عن هؤلاء الكفرة الغواة والمردة العتاة من فنون القبائح من الأقاويل والأفاعيل والتمادى فى الغى والانهماك فى الضلال والإفراط فى العناد والتصميم على الكفر من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم والإجماع على مدافعة الحق بعد اتضاحه وانتفاء الشك عنه بالكلية وتنبيه على أن جميع ذلك منهم بإضلال الشياطين وإغوائهم لا لأن له مسوغا ما فى الجملة ومعنى إرسال الشياطين عليهم إما تسليطهم عليهم وتمكينهم من إضلالهم وإما تقييضهم لهم وليس المراد تعجيبه عليهالسلام من إرسالهم عليهم كما يوهمه تعليق الرؤية به بل مما ذكر من أحوال الكفرة من حيث كونها من آثار إغواء الشياطين كما ينبىء عنه قوله تعالى (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) فإنه إما حال مقدرة من الشياطين أو استئناف وقع جوابا عما نشأ من صدر الكلام كأنه قيل ماذا يفعل الشياطين بهم حينئذ فقيل تؤزهم أى تغريهم وتهيجهم على المعاصى تهييجا شديدا بأنواع الوساوس والتسويلات فإن الأز والهز والاستفزاز أخوات معناها شدة الإزعاج (فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) أى بأن يهلكوا حسبما تقتضيه جناياتهم ويبيدوا عن آخرهم وتطهر الأرض من فساداتهم والفاء للإشعار بكون ما قبلها مظنة لوقوع المنهى عنه محوجة إلى النهى كما فى قوله تعالى (إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) وقوله تعالى (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) تعليل لموجب النهى ببيان اقتراب هلاكهم أى لا تستعجل بهلاكهم فإنه لم يبق لهم إلا أيام وأنفاس نعدها عدا (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ) منصوب على الظرفية بفعل مؤخر قد حذف للإشعار بضيق العبارة عن حصره وشرحه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامة التامة والدواهى العامة كأنه قيل يوم نحشر المتقين أى نجمعهم (إِلَى الرَّحْمنِ) إلى ربهم الذى يغمرهم برحمته الواسعة (وَفْداً) وافدين عليه كما يفد الوفود على الملوك منتظرين لكرامتهم وإنعامهم (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) كما تسلق البهائم (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) عطاشا فإن من يرد الماء لا يورده إلا العطش أو كالدواب التى ترد الماء نفعل بالفريقين من الأفعال مالا يفى ببيانه نطاق المقال وقيل منصوب على المفعولية بمضمر مقدم خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم أى اذكر لهم بطريق الترغيب والترهيب يوم نحشر الخ وقيل على الظرفية لقوله تعالى (لا يَمْلِكُونَ