(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) (٩٠)
____________________________________
الشَّفاعَةَ) والذى يقتضيه مقام التهويل وتستدعيه جزالة التنزيل أن ينتصب بأحد الوجهين الأولين ويكون هذا استئنافا مبينا لبعض ما فيه من الأمور الدالة على هوله وضميره عائدا إلى العباد المدلول عليهم بذكر الفريقين لانحصارهم فيهما وقيل إلى المتقين خاصة وقيل إلى المجرمين من الكفرة وأهل الإسلام والشفاعة على الأولين مصدر من المبنى للفاعل وعلى الثالث ينبغى أن تكون مصدرا من المبنى للمفعول* وقوله تعالى (إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) على الأول استثناء متصل من لا يملكون ومحل المستثنى إما الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء والمعنى لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم إلا من استعد له بالتحلى بالإيمان والتقوى أو من أمر بذلك من قولهم عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به فيكون ترغيبا للناس فى تحصيل الإيمان والتقوى المؤدى إلى نيل هذه الرتبة وعلى الثانى استثناء من الشفاعة على حذف المضاف والمستثنى منصوب على البدل أو على أصل الاستثناء أى لا يملك المتقون الشفاعة إلا شفاعة من اتخذ العهد بالإسلام فيكون ترغيبا فى الإسلام وعلى الثالث استثناء من لا يملكون أيضا والمستثنى مرفوع على البدل أو منصوب على الأصل والمعنى لا يملك المجرمون أن يشفع لهم إلا من كان منهم مسلما (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) حكاية لجناية اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا إثر حكاية عبدة الأصنام بطريق عطف القصة على القصة وقوله تعالى (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) رد لمقالتهم الباطلة وتهويل لأمرها بطريق الالتفات المنبىء عن كمال السخط وشدة الغضب المفصح عن غاية التشنيع والتقبيح وتسجيل عليهم بنهاية الوقاحة والجهل والجراءة والإد بالكسر والفتح العظيم المنكر والإدة الشدة وأدنى الأمر وآدنى أثقلنى وعظم على أى فعلتم أمرا منكرا شديدا لا يقادر قدره فإن جاء وأتى يستمعلان فى معنى فعل فيعديان تعديته وقوله تعالى (تَكادُ السَّماواتُ) الخ صفة لإدا أو استئناف ببيان عظم شأنه فى الشدة والهول وقرىء يكاد بالتذكير (يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) يتشققن مرة بعد أخرى من عظم ذلك الأمر وقرىء ينفطرن والأول أبلغ لأن تفعل مطاوع فعل وانفعل مطاوع فعل ولأن أصل التفعل التكلف (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) أى وتكاد تنشق الأرض (وَتَخِرُّ الْجِبالُ) أى تسقط وتتهدم وقوله تعالى (هَدًّا) مصدر مؤكد لمحذوف هو حال من الجبال أى تهد هدا أو مصدر من المبنى للمفعول مؤكد لتخر على غير الصدر لأنه حينئذ بمعنى التهدم والخرور كأنه قيل وتخر الجبال خرورا أو مصدر بمعنى المفعول منصوب على الحالية أى مهدودة أو مفعول له أى لأنها تهد وهذا تقرير لكونه إدا والمعنى أن هول تلك الشنعاء وعظمها بحيث لو تصورت بصورة محسوسة لم تطق بها هاتيك الأجرام العظام وتفتتت من شدتها أو أن فظاعتها فى استجلاب الغضب واستيجاب السخط