(أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١) وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦)
____________________________________
بحيث لو لا حلمه تعالى لخرب العالم وبددت قوائمه غضبا على من تفوه بها (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) منصوب على حذف اللام المتعلقة بتكاد أو مجرور بإضمارها أى تكاد السموات يتفطرن والأرض تنشق والجبال تخر لأن دعوا له سبحانه ولدا وقيل اللام متعلقة بهدا وقيل الجملة بدل من الضمير المجرور فى منه كما فى قوله [على جوده لضن بالماء حاتم] وقيل خبر مبتدأ محذوف أى الموجب لذلك أن دعوا الخ وقيل فاعل هدا أى هدها دعاء الولد والأول هو الأولى ودعوا من دعا بمعنى سمى المتعدى إلى مفعولين وقد اقتصر على ثانيهما ليتناول كل ما دعى له ولدا أو من دعا بمعنى نسب الذى مطاوعه ادعى إلى فلان أى انتسب إليه وقوله تعالى (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) حال من فاعل قالوا أو دعوا مقررة لبطلان مقالتهم واستحالة تحقق مضمونها أى قالوا اتخذ الرحمن ولدا أو أن دعوا للرحمن ولدا والحال أنه ما يليق به تعالى اتخاذ الولد ولا يتطلب له لو طلب مثلا لاستحالته فى نفسه ووضع الرحمن موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم بالتنبيه على أن كل ما سواه تعالى إما نعمة أو منعم عليه فكيف يتسنى أن يجانس من هو مبدأ النعم ومولى أصولها وفروعها حتى يتوهم أن يتخذه ولدا وقد صرح له قوم به عز قائلا (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى ما منهم أحد من الملائكة والثقلين (إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) إلا وهو مملوك له يأوى إليه بالعبودية والانقياد وقرىء آت الرحمن على الأصل (لَقَدْ أَحْصاهُمْ) أى حصرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم أحد من حيطة علمه وقبضة قدرته وملكوته (وَعَدَّهُمْ عَدًّا) أى عد أشخاصهم وأنفاسهم وأفعالهم وكل شىء عنده بمقدار (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) أى كل واحد منهم آت إياه تعالى منفردا من الأتباع والأنصار وفى صيغة الفاعل من الدلالة على إتيانهم كذلك البتة ما ليس فى صيغة المضارع لو قيل يأتيه فإذا كان شأنه تعالى وشأنهم كما ذكر فأنى يتوهم احتمال أن يتخذ شيئا منهم ولدا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) لما فصلت قبائح أحوال الكفرة عقب ذلك بذكر محاسن أحوال المؤمنين (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) أى سيحدث لهم فى القلوب مودة من غير تعرض منهم لأسبابها سوى ما لهم من الإيمان والعمل الصالح والتعرض لعنوان الرحمانية لما أن الموعود من آثارها