(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١١)
____________________________________
وكان إظهار البينات وسيلة إلى ذلك لم يتعرضوا للجواب عن قول الكفرة إنا كفرنا بما أرسلتم به واقتصروا على بيان ما هو الغاية القصوى ثم عقبوا ذلك الإنكار بما يوجبه من الشواهد الدالة على انتفاء المنكر فقالوا (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى مبدعهما وما فيها من المصنوعات على نظام أنيق شاهد بتحقق* ما أنتم منه فى شك وهو صفة للاسم الجليل أو بدل منه وشك مرتفع بالظرف لاعتماده على الاستفهام وجعله مبتدأ على أن الظرف خبره يفضى إلى الفصل بين الموصوف والصفة بالأجنبى أعنى المبتدأ والفاعل ليس بأجنبى من رافعه وقد جوز ذلك أيضا (يَدْعُوكُمْ) إلى الإيمان بارساله إيانا لا أنا ندعوكم إليه من* تلقاء أنفسنا كما يوهمه قولكم مما تدعوننا إليه (لِيَغْفِرَ لَكُمْ) بسببه أو يدعوكم لأجل المغفرة كقولك دعوته* ليأكل معى (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أى بعضها وهو ما عدا المظالم مما بينهم وبينه تعالى فإن الإسلام بحبه قيل هكذا* وقع فى جميع القرآن فى وعد الكفرة دون وعد المؤمنين تفرقة بين الوعدين ولعل ذلك لما أن المغفرة حيث جاءت فى خطاب الكفرة مرتبة على محض الإيمان وفى شأن المؤمنين مشفوعة بالطاعة والتجنب عن المعاصى ونحو ذلك فيتناول الخروج من المظالم وقيل المعنى ليغفر لكم بدلا من ذنوبكم (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت سماه الله تعالى وجعله منتهى أعماركم على تقدير الإيمان (قالُوا) * استئناف كما سبق (إِنْ أَنْتُمْ) أى ما أنتم (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) من غير فضل يؤهلكم لما تدعونه من النبوة* (تُرِيدُونَ) صفة ثانية لبشر حملا على المعنى كقوله تعالى (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) أو كلام مستأنف أى تريدون بما* تتصدون له من الدعوة والإرشاد (أَنْ تَصُدُّونا) بتخصيص العبادة بالله سبحانه (عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا) * أى عن عبادة ما استمر آباؤنا على عبادته من غير شىء يوجبه وإلا (فَأْتُونا) أى وإن لم يكن الأمر كما قلنا* بل كنتم رسلا من جهة الله تعالى كما تدعونه فأتونا (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) يدل على فضلكم واستحقاقكم لتلك* الرتبة أو على صحة ما تدعونه من النبوة حتى نترك ما لم نزل نعبده أبا عن جد ولقد كانوا آتوهم من الآيات الظاهرة والبينات الباهرة ما تخر له صم الجبال ولكنهم إنما يقولون ما يقولون من العظائم مكابرة وعنادا وإراءة لمن وراءهم أن ذلك ليس من جنس ما ينطلق عليه السلطان المبين (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) مجاراة معهم فى أول مقالتهم وإنما قيل لهم لاختصاص الكلام بهم حيث أريد إلزامهم بخلاف ما سلف من إنكار وقوع الشك فى الله سبحانه فإن ذلك عام وإن اختص بهم ما يعقبه (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) كما تقولون* (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ) بالنبوة (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعنون أن ذلك عطية من الله تعالى يعطيها من يشاء* من عباده بمحض الفضل والامتنان من غير داعية توجبه قالوه تواضعا وهضما للنفس أو ما نحن من الملائكة بل نحن بشر مثلكم فى الصورة أو فى الدخول تحت الجنس ولكن الله يمن بالفضائل والكمالات والاستعدادات على من يشاء المن وما يشاء ذلك إلا لعلمه باستحقاقه لها وتلك الفضائل والكمالات والاستعدادات هى التى يدور عليها فلك الاصطفاء للنبوة (وَما كانَ) وما صح وما استقام (لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ *