(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٣٧)
____________________________________
والسلام لما أسكز إسمعيل وهاجر هناك وعاد متوجها إلى الشام تبعته هاجر وجعلت تقول إلى من تكلنا فى هذا البلقع وهو لا يرد عليها جوابا حتى قالت آلله أمرك بهذا فقال نعم قالت إذا لا يضيعنا فرضيت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء أقبل على الوادى فقال (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ) الآية وإنما فصل ما بينهما تثنية للامتنان وإيذانا بأن كلا منهما نعمة جليلة مستتبعة لشكر كثير كما فى قصة البقرة (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ) * بعدنى وإياهم (أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) واجعلنا منها فى جانب بعيد أى ثبتنا على ما كنا عليه من التوحيد وملة* الإسلام والبعد عن عبادة الأصنام وقرىء واجنبنى من الأفعال وهما لغة أهل نجد يقولون جنبنى شره وأجنبنى شره وأما أهل الحجاز فيقولون جنبنى شره وفيه دليل على أن عصمة الأنبياء عليهمالسلام بتوفيق الله تعالى والظاهر أن المراد ببنيه أولاده الصلبية فلا احتجاج به لابن عيينة رضى الله عنه على أن أحدا من أولاد إسمعيل عليهالسلام لم يعبد الصنم وإنما كان لكل قوم حجر نصبوه وقالوا هو حجر والبيت حجر فكانوا يدورون به ويسمونه الدوار فاستحب أن يقال طاف بالبيت ولا يقال دار بالبيت وليت شعرى كيف ذهب عليه ما فى القرآن العظيم من قوارع تنعى على قريش عبادة الأصنام على أن فيما ذكره كرا على ما فر منه (رَبِّ إِنَّهُنَّ) أى الأصنام (أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أى تسببن له كقوله تعالى (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) وهو تعليل لدعائه وإنما صدره بالنداء إظهارا لاعتنائه به ورغبة فى استجابته (فَمَنْ تَبِعَنِي) منهم فيما أدعو إليه من التوحيد وملة الإسلام (فَإِنَّهُ مِنِّي) أى بعضى قاله عليهالسلام مبالغة* فى بيان اختصاصه به أو متصل بى لا ينفك عنى فى أمر الدين (وَمَنْ عَصانِي) أى لم يتبعنى والتعبير عنه* بالعصيان للإيذان بأنه عليهالسلام مستمر على الدعوة وأن عدم اتباع من لم يتبعه إنما هو لعصيانه لا لأنه لم يبلغه الدعوة (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قادر على أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد توبته وفيه أن كل* ذنب فلله تعالى أن يغفره حتى الشرك خلا أن الوعيد قضى بالفرق بينه وبين غيره (رَبَّنا) آثر عليهالسلام ضمير الجماعة لا لما قيل من تقدم ذكره وذكر بنيه وإلا لراعاه فى قوله (رَبِّ إِنَّهُنَ) الخ بل لأن الدعاء المصدر به وما أورده بصدد تمهيد مبادى إجابته من قوله (إِنِّي أَسْكَنْتُ) الآية متعلق بذريته فالتعرض لوصف* ربوبيته تعالى لهم أدخل فى القبول وإجابة المسئول (مِنْ ذُرِّيَّتِي) أى بعضهم أو ذرية من ذريتى فحذف* المفعول وهو إسمعيل عليهالسلام وما سيولد له فإن إسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمن لإسكانهم روى أن هاجر أم إسمعيل عليهالسلام كانت لسارة فوهبتها من إبراهيم عليهالسلام فلما ولدت له إسمعيل عليهالسلام غارت عليهما فناشدته أن يخرجهما من عندها فأخرجهما إلى أرض مكة فأظهر الله تعالى عين زمزم (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) لا يكون فيه زرع أصلا وهو وادى مكة شرفها الله تعالى (عِنْدَ