(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) (٣٥)
____________________________________
لا ادعاء وكذا الحال فى وجودات علله وشرائطه القريبة والبعيدة ابتداء وبقاء وكذا فى كمالاته التابعة لوجوده فاتضح أنه يفيض عليه كل آن نعم لا تتناهى من وجوه شتى فسبحانك سبحانك ما أعظم سلطانك لا تلاحظك العيون بأنظارها ولا تطالعك العقول بأفكارها شأنك لا يضاهى وإحسانك لا يتناهى ونحن فى معرفتك حائرون وفى إقامة مراسم شكرك قاصرون نسألك الهداية إلى مناهج معرفتك والتوفيق* لأداء حقوق نعمتك لا نحصى ثناء عليك لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ) * يظلم النعمة بإغفال شكرها أو بوضعه إياها فى غير موضعها أو يظلم نفسه بتعريضها للحرمان (كَفَّارٌ) شديد الكفران وقيل ظلوم فى الشدة يشكو ويجزع كفار فى النعمة يجمع ويمنع واللام فى الإنسان للجنس ومصداق الحكم بالظلم والكفران بعض من وجدا فيه من أفراده ويدخل فى ذلك الذين بدلوا نعمة الله كفرا الخ دخولا أوليا (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ) أى واذكر وقت قوله عليه الصلاة والسلام والمقصود من تذكيره تذكير ما وقع فيه من مقالاته عليهالسلام على نهج التفصيل والمراد به تأكيد ما سلف من تعجيبه عليهالسلام ببيان فن آخر من جناياتهم حيث كفروا بالنعم الخاصة بهم بعد ما كفروا بالنعم العامة وعصوا أباهم إبراهيم عليهالسلام حيث أسكنهم مكة شرفها الله تعالى لإقامة الصلاة والاجتناب عن عبادة الأصنام والشكر لنعم الله تعالى وسأله تعالى أن يجعله بلدا آمنا ويرزقهم من الثمرات وتهوى قلوب الناس إليهم من كل أوب سحيق فاستجاب الله تعالى دعاءه وجعله حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء فكفروا بتلك النعم العظام واستبدلوا بالبلد الحرام دار البوار وجعلوا لله أندادا وفعلوا ما فعلوا* (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) يعنى مكة شرفها الله سبحانه (آمِناً) أى ذا أمن أو آمنا أهله بحيث لا يخاف فيه على ما مر فى سورة البقرة والفرق بينه وبين ما فيها من قوله (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) أن المسئول هناك البلدية والأمن معا وههنا الأمن فقط حيث جعل هو المفعول الثانى للجعل وجعل البلد صفة للمفعول الأول فإن حمل على تعدد السؤال فلعله عليهالسلام سأل أولا كلا الأمرين فاستجيب له فى أحدهما وتأخر الآخر إلى وقته المقدر لما يقتضيه من الحكمة الداعية إليه ثم كرر السؤال كما هو المعتاد فى الدعاء والابتهال أو كان المسئول أولا مجرد الأمن المصحح للسكن كما فى سائر البلاد وقد أجيب إليه وثانيا الأمن المعهود أو كله هو المسئول فيهما وقد أجيب إليه أيضا لكن السؤال الثانى للاستدامة والاقتصار على ذلك لأنه المقصود الأصلى أو لأن المعتاد فى البلدية الاستمرار بعد التحقق بخلاف الأمن وإن حمل على وحدة السؤال وتكرر الحكاية كما هو المتبادر فالظاهر أن المسؤل كلا الأمرين وقد حكى أولا واقتصر ههنا على حكاية سؤال الأمن لا لمجرد أن نعمة الأمن أدخل فى استيجاب الشكر فذكره أنسب بمقام تقريع الكفرة على إغفاله كما قيل بل لأن سؤال البلدية قد حكى بقوله تعالى (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) إذ المسئول هويتها إليهم للمساكنة معهم لا للحج فقط وهو عين سؤال البلدية قد حكى بعبارة أخرى وكان ذلك أول ما قدم عليهالسلام مكة كما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه عليه الصلاة