(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (٤٣)
____________________________________
الْمُشْرِكِينَ) ونظائره مع ما فيه من الإيذان بكونه واجب الاحتراز عنه فى الغاية حتى نهى عنه من لا يمكن تعاطيه أو نهيه عليهالسلام عن خسبانه تعالى تاركا لعقابهم على طريقة العفو والتعبير عنه بذلك للمبالغة فى النهى والإيذان بأن ذلك الحسبان بمنزلة حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم إذ العلم بذلك مستوجب لعقابهم لا محالة فتركه لو كان لكان للغفلة عما يوجبه من أعمالهم الخبيثة وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ووعد له أكيد ووعيد للكفر وسائر الظالمين شديد أو لكل أحد ممن يستعجل عذابهم أو يتوهم إهمالهم للجهل بصفاته تعالى والاغترار بإمهاله وقيل معناه لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عما عملوا بل معاملة من يحافظ على أعمالهم ويجازيهم بذلك نقيرا وقطميرا والمراد بالظالمين أهل مكة ممن عدت مساويهم من تبديل نعمة الله تعالى كفرا وإحلال قومهم دار البوار واتخاذ الأنداد كما يؤذن به التعرض لحكمة التأخير المنبىء عنه قوله تعالى (قُلْ تَمَتَّعُوا) الآية أو جنس الظالمين وهم داخلون فى الحكم دخولا أوليا (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) يمهلهم* متمتعين بالحظوظ الدنياوية ولا يعجل عقوبتهم حسبما يشاهد وهو استئناف وقع تعليلا للنهى السابق أى دم على ما كنت عليه من عدم حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم ولا تحزن بتأخير ما تستوجبه من العذاب الأليم إذ تأخيره للتشديد والتغليظ أولا تحسبنه تعالى تاركا لعقوبتهم لما ترى من تأخيرها إنما ذلك لأجل هذا أولا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل ولا يؤاخذهم بما عملوا لما ترى من التأخير إنما هو لهذه الحكمة وقرىء بالنون وإيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم لتهويل الخطب وتفظيع الحال ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب مرصدون لأمر ما لا أنهم باقون باختيارهم وللدلالة على أن حقهم من العذاب هو الاستئصال بالمرة وأن لا يبقى منهم فى الوجود عين ولا أثر وللإيذان بأن المؤخر له من جملة العذاب وعنوانه ولو قيل إنما يؤخر عذابهم الخ لما فهم ذلك (لِيَوْمٍ) هائل (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) ترتفع أبصار أهل الموقف فيدخل فى زمرتهم الكفرة المعهودون دخولا أوليا أى تبقى مفتوحة لا تتحرك أجفانهم من هول ما يرونه واعتبار عدم قرارها فى أماكنها إما باعتبار الارتفاع الحسى فى جرم العين وإما بجعل الصيغة من شخص من بلد إلى بلد وسار فى الارتفاع (مُهْطِعِينَ) مسرعين إلى الداعى مقبلين عليه بالخوف والذل والخشوع أو مقبلين بأبصارهم عليه لا يقلعون عنه ولا يطرفون هيبة وخوفا وحيث كان إدامة النظر ههنا بالنظر إلى الداعى قيل (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) أى رافعيها مع إدامة* النظر من غير التفات إلى شىء قاله العتبى وابن عرفة أو ناكسيها ويقال أقنع رأسه أى طأطأها ونكسها فهو من الأضداد وهما حالان مما دل عليه الأبصار من أصحابها أو الثانى حال متداخلة من الضمير فى الأول وإضافته غير حقيقية فلا ينافى الحالية (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) أى لا يرجع إليهم تحريك أجفانهم حسبما* كان يرجع إليهم كل لحظة بل تبقى أعينهم مفتوحة لا تطرف أو لا ترجع إليهم أجفانهم التى هى آلة الطرف فيكون إسناد الرجوع إلى الطرف مجازيا أو هو نفس الجفن قال الفيروزابادى الطرف العين لا يجمع لأنه مصدر فى الأصل أو اسم جامع للعين أولا يرجع نظرهم إلى أنفسهم فضلا عن أن يرجع إلى شىء آخر