(سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥١)
____________________________________
لا استمرار فيه وعلى تقدير حالية برزوا فهو معطوف على تبدل ويجوز عطفه على عامل الظرف المقدم على تقدير كونه ينجزه (يَوْمَئِذٍ) يوم إذ برزوا له عزوجل أو يوم إذ تبدل الأرض أو يوم إذ ينجز وعده* (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض حسب اقترانهم فى الجرائم والجرائر أو قرنوا مع الشياطين الذين أغووهم* أو قرنوا مع ما اقترفوا من العقائد الزائغة والملكات الردية والأعمال السيئة غب تصور كل منها وتشكلهما بما يناسبها من الصور الموحشة والأشكال الهائلة أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم وهو حال من المجرمين (فِي الْأَصْفادِ) فى القيود أو الأغلال وهو إما متعلق بقوله تعالى (مُقَرَّنِينَ) أو حال من ضميره* أى مصفدين (سَرابِيلُهُمْ) أى قمصانهم (مِنْ قَطِرانٍ) جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب على الحالية من المجرمين أو من ضميرهم فى مقرنين رابطتها الضمير فقط كما فى كلمته فوه إلى فى أو مستأنفة والقطران ما يتحلب من الإبهل فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بما فيه من الحدة الشديدة وقد تصل حرارته إلى الجوف وهو أسود منتن يسرع فيه اشتعال النار يطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسراويل ليجتمع عليهم الألوان الأربعة من العذاب لذعه وحرقته وإسراع النار فى جلودهم واللون الموحش والنتن على أن التفاوت بينه وبين ما نشاهده وبين النارين لا يكاد يقادر قدره فكأن ما نشاهده منهما أسماء مسمياتها فى الآخرة فبكرمه العميم نعوذ وبكنفه الواسع نلوذ ويحتمل أن يكون ذلك تمثيلا لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الردية والهنات الوحشية فتجلب إليها الآلام والغموم بل وأن يكون القطران المذكور عين ما لابسوه فى هذه النشأة وجعلوه شعارا لهم من العقائد الباطلة والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب قد تجسدت فى النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعة لاشتداد العذاب عصمنا الله سبحانه عن ذلك بمنه ولطفه وقرىء من قطرآن أى نحاس مذاب متناه حره (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) أى تعلوها* وتحيط بها النار التى تمس جسدهم المسربل بالقطران وتخصيص الوجوه بالحكم المذكور مع عمومه لسائر أعضائهم لكونها أعز الأعضاء الظاهرة وأشرفها كقوله تعالى (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ) الخ ولكونها مجمع المشاعر والحواس التى خلقت لإدراك الحق وقد أعرضوا عنه ولم يستعملوها فى تدبيره كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة وقد ملئوها بالجهالات ولذلك قيل تطلع على الأفئدة أو لخلوها عن القطران المغنى عن ذكر غشيان النار لها ولعل تخليتها عنه ليتعارفوا عند انكشاف اللهب أحيانا ويتضاعف عذابهم بالخزى على رموس الأشهاد وقرىء تغشى أى تتغشى بحذف إحدى التاءين والجملة نصب على الحالية لا على أن الواو حالية لأنه مضارع مثبت بل على أنها معطوفة على الحال قاله أبو البقاء (لِيَجْزِيَ اللهُ) متعلق بمضمر أى يفعل بهم ذلك ليجزى (كُلَّ نَفْسٍ) مجرمة (ما كَسَبَتْ) من أبواع الكفر والمعاصى جزاء موافقا لعملها وفيه إيذان بأن جزاءهم مناسب لأعمالهم أو بقوله (بَرَزُوا