(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٤٩)
____________________________________
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) ظرف لمضمر مستأنف ينسحب عليه النهى المذكور أى ينجزه يوم الخ أو معطوف عليه نحو وارتقب يوم تبدل الأرض غير الأرض أو لانتقام وهو يوم يأتيهم العذاب بعينه ولكن له أحوال جمة يذكر كل مرة بعنوان مخصوص والتقييد به مع عموم انتقامه للأوقات كلها للإفصاح عما هو المقصود من تعذيب الكفرة المؤخر إلى ذلك اليوم بموجب الحكمة الداعية إليه وقيل بدل من يوم يأتيهم العذاب أو نصب باذكر أو بإضمار لا يخلف وعده يوم تبدل الخ وفيه أيضا ما فى الوجه الثالث من الحاجة إلى الاعتذار ولا يجوز أن ينتصب بقوله (مُخْلِفَ وَعْدِهِ) لأن ما قبل إن لا يعمل فيما بعده وقيل هو غير مانع لأن قوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) جملة اعتراضية فلا يبالى بها فاصلا واعلم أن التبديل قد يكون فى الذات كما فى بدلت الدراهم دنانير وعليه قوله عزوجل (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) وقد يكون فى الصفات كما فى قولك بدلت الحلقة خاتما إذا غيرت شكلها ومنه قوله تعالى (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) على بعض الأقوال والآية الكريمة ليست بنص فى أحد الوجهين فعن على رضى الله عنه تبدل أرضا من فضة وسموات من ذهب وعن ابن مسعود رضى الله عنه تبدل الأرض بأرض كالفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم ولم يعمل عليها خطيئة وعن ابن عباس رضى الله عنهما هى تلك الأرض وإنما تغير صفاتها وأنشد[وما الناس بالناس الذين عهدتهم * وما الدار بالدار التى كنت تعلم] وتبدل السموات بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبوابا ويدل عليه ما روى أبو هريرة رضى الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال تبدل الأرض غير الأرض* فتبسط وتمدمد الأديم العكاظى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (وَالسَّماواتُ) أى وتبدل السموات غير السموات حسبما مر من التفصيل وتقديم تبديل الأرض لقربها منا ولكون تبديلها أعظم أثرا بالنسبة* إلينا (وَبَرَزُوا) أى الخلائق أو الظالمون المدلول عليهم بمعونة السباق والمراد بروزهم من أجداثهم التى فى بطون الأرض أو ظهورهم بأعمالهم التى كانوا يعملونها سرا ويزعمون أنها لا تظهر أو يعملون عمل من يزعم ذلك ولعل إسناد البروز إليهم مع أنه لأعمالهم للإيذان بتشكلهم بأشكال تناسبها وهو معطوف على تبدل والعدول إلى صيغة الماضى للدلالة على تحقق وقوعه أو حال من الأرض بتقدير قد والرابط* بينها وبين صاحبها الواو (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) للحساب والجزاء والتعرض للوصفين لتهويل الخطب وتربية المهابة وإظهار بطلان الشرك وتحقيق الانتقام فى ذلك اليوم على تقدير كونه ظرفا له وتحقيق إتيان العذاب الموعود على تقدير كونه بدلا من يوم يأتيهم العذاب فإن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يعار وقادر لا يضار ولا يغار كان فى غاية ما يكون من الشدة والصعوبة (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) عطف على (بَرَزُوا) والعدول إلى صيغة المضارع لاستحضار الصورة أو للدلالة على الاستمرار وأما البروز فهو دفعى