(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) (٤٧)
____________________________________
لإزالته وقد قرأ الكسائى لتزول بفتح اللام على أنها الفارقة والمعنى تعظيم مكرهم فالجملة حال من قوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أى عنده تعالى جزاء مكرهم أو المكر بهم والحال أن مكرهم بحيث تزول منه الجبال أى فى غاية الشدة وقرىء بالفتح والنصب على لغة من يفتح لام كى وقرىء وإن كاد مكرهم هذا هو الذى يقتضيه النظم الكريم وينساق إليه الطبع السليم وقد قيل إن الضمير فى مكروا للمنذرين والمراد بمكرهم ما أفاده قوله عزوجل (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) الآية وغيره من أنواع مكرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ولعل الوجه حينئذ أن يكون قوله تعالى (وَقَدْ مَكَرُوا) الخ حالا من القول المقدر أى فيقال لهم ما يقال والحال أنهم مع ما فعلوا من الإقسام المذكور مع ما ينافيه من السكون فى مساكن المهلكين وتبين أحوالهم وضرب الأمثال قد مكروا مكرهم العظيم أى لم يكن الصادر عنهم مجرد الإقسام الذى وبخوا به بل اجترءوا على مثل هذه العظيمة وقوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) حال من ضمير (مَكَرُوا) حسبما ذكرنا من قبل وقوله تعالى (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) لتزول منه الجبال مسوق لبيان عدم تفاوت الحال فى تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويا أو ضعيفا كما مر هناك وعلى تقدير كون إن نافية فهو حال من ضمير مكروا والجبال عبارة عن أمر النبى صلىاللهعليهوسلم أى وقد مكروا والحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع والآيات التى هى فى القوة كالجبال وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة واللام مكسورة يكون حالا منه أيضا على معنى أن ذلك المكر العظيم منهم كان لهذا الغرض على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها ماكر وعلى تقدير فتح اللام فهو حال من قوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) كما ذكرنا من قبل فليتأمل (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) لم يرد به والله سبحانه أعلم ما وعده بقوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) الآية وقوله (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) كما قيل فإنه لا اختصاص له بالتعذيب لا سيما الأخروى بل ما سلف آنفا من وعده بتعذيب الظالمين بقوله تعالى (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) الآية كما يفصح عنه الفاء الداخلة على النهى الذى أريد به تثبيته عليه الصلاة والسلام على ما كان عليه من الثقة بالله تعالى والتيقن بإنجاز وعده المذكور المقرون بالأمر بإنذارهم يوم إتيان العذاب المتضمن لذكر تعذيب الأمم السالفة بسبب كفرهم وعصيانهم رسلهم بعد ما وعدهم بذلك كما فصلت قصة كل منهم فى القرآن العظيم فكأنه قيل وإذ قد وعدناك بعذاب الظالمين يوم القيامة وأخبرناك بما يلقونه من الشدائد وبما يسألونه من الرد إلى الدنيا وبما أجبناهم به وقرعناهم بعدم تأملهم فى أحوال من سبقهم من الأمم الذين أهلكناهم بظلمهم بعد ما وعدنا رسلهم بإهلاكهم فدم على ما كنت عليه من اليقين بعدم إخلافنا رسلنا وعدنا (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يماكر وقادر (ذُو انتِقامٍ) لأوليائه من أعدائه والجملة* تعليل للنهى المذكور وتذييل له وحيث كان الوعد عبارة عما ذكرنا من تعذيبهم خاصة لم يذيل بأن يقال إن الله لا يخلف الميعاد بل تعرض لوصف العزة والانتقام المشعرين بذلك والمراد بالانتقام ما أشير إليه بالفعل وعبر عنه بالمكر.