(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦)
____________________________________
العذاب العاجل إلى حلول العذاب الآجل فترتدعوا عما كنتم فيه من الكفر والمعاصى أو بينا لكم أنكم مثلهم فى الكفر واستحقاق العذاب والجمل الثلاث فى موقع الحال من ضمير أقسمتم أى أقسمتم بالخلود والحال أنكم سكنتم فى مساكن المهلكين بظلمهم وتبين لكم فعلنا العجيب بهم ونبهناكم على جلية الحال بضرب الأمثال وقوله عزوجل(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) حال من الضمير الأول فى (فَعَلْنا بِهِمْ) أو من الثانى أو منهما جميعا وإنما قدم عليه قوله تعالى (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) لشدة ارتباطه بما قبله أى فعلنا بهم ما فعلنا والحال أنهم قد مكروا فى إبطال الحق وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذى استفرغوا فى عمله المجهود وجاوزوا فيه كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم فالمراد بيان تناهيهم فى استحقاق ما فعل بهم أو قد مكروا مكرهم المذكور فى ترتيب مبادى البقاء ومدافعة أسباب الزوال فالمقصود إظهار عجزهم واضمحلال* قدرتهم وحقارتها عند قدرة الله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أى جزاء مكرهم الذى فعلوه على أن المكر مضاف إلى فاعله أو أخذه تعالى بهم على أنه مضاف إلى مفعوله وتسميته مكرا لكونه بمقابلة مكرهم وجودا وذكرا أو لكونه فى صورة المكر فى الإتيان من حيث لا يشعرون وعلى التقديرين فالمراد به ما أفاده قوله عزوجل (كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) لا أنه وعيد مستأنف والجملة حال من الضمير فى (مَكَرُوا) أى مكروا مكرهم وعند الله جزاؤه أو ما هو أعظم منه والمقصود بيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلا مع تحقق* ما يوجب تركه (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) فى العظم والشدة (لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) أى وإن كان مكرهم فى غاية المتانة والشدة وعبر عن ذلك بكونه مسوى ومعدا لإزالة الجبال عن مقارها لكونه مثلا فى ذلك والجملة المصدرة بأن الوصلية معطوفة على جملة مقدرة والمعنى وعند الله جزاء مكرهم أو المكر الذى يحيق بهم إن لم يكن مكرهم لتزول منه الجبال وإن كان الخ وقد حذف ذلك حذفا مطردا لدلالة المذكور عليه دلالة واضحة فإن الشىء إذا تحقق عند وجود المانع القوى فلأن يتحقق عند عدمه أولى وعلى هذه النكتة يدور ما فى إن الوصلية من التأكيد المعنوى والجوب محذوف دل عليه ما سبق وهو قوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) وقيل إن نافية واللام لتأكيدها كما فى قوله تعالى (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) وينصره قراءة ابن مسعود رضى الله عنه وما كان مكرهم فالجملة حينئذ حال من الضمير فى مكروا لا من قوله تعالى (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أى مكروا مكرهم والحال أن مكرهم لم يكن لتزول منه الجبال على أنها عبارة عن آيات الله تعالى وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدى الرسل السالفة عليهمالسلام التى هى بمنزلة الجبال الراسيات فى الرسوخ وأما كونها عبارة عن أمر النبى صلىاللهعليهوسلم وأمر القرآن العظيم كما قيل فلا مجال له إذ الماكرون هم المهلكون لا الساكنون فى مساكنهم من المخاطبين وإن خص الخطاب بالمنذرين وقيل هى مخففة من إن والمعنى إنه كان مكرهم ليزول منه ما هو كالجبال فى الثبات مما ذكر من الآيات والشرائع والمعجزات والجملة كما هى حال من ضمير مكروا أى مكروا مكرهم المعهود وإن الشأن كان مكرهم لإزالة الآيات والشرائع على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك وكان شأن الآيات والشرائع مانعا من مباشرة المكر