(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) (١١)
____________________________________
لما فيها فالفعلان متعديان كما فى قوله تعالى (وَغِيضَ الْماءُ) وقوله تعالى (وَازْدَادُوا تِسْعاً) وقوله (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) أولا زمان قد أسندا إلى الأرحام مجازا وهما لما فيها (وَكُلُّ شَيْءٍ) من الأشياء (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) بقدر لا يمكن تجاوزه عنه كقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فإن كل حادث من الأعيان والأعراض له فى كل مرتبة من مراتب التكوين ومباديها وقت معين وحال مخصوص لا يكاد يجاوزه والمراد بالعندية الحضور العلمى بل العلم الحضورى فإن تحقق الأشياء فى أنفسها فى أى مرتبة كانت من مراتب الوجود والاستعداد لذلك علم له بالنسبة إلى الله عزوجل(عالِمُ الْغَيْبِ) أى الغائب عن الحس (وَالشَّهادَةِ) أى الحاضر له عبر عنهما بهما مبالغة وقيل أريد بالغيب المعدوم وبالشهادة الموجود وهو خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد* خبر وقرىء بالنصب على المدح وهذا كالدليل على ما قبله من قوله تعالى (اللهُ يَعْلَمُ) الخ (الْكَبِيرُ) العظيم* الشأن الذى كل شىء دونه (الْمُتَعالِ) المستعلى على كل شىء بقدرته أو المنزه عن نعوت المخلوقات وبعد ما بين سبحانه أنه عالم بجميع أحوال الإنسان فى مراتب فطرته ومحيط بعالمى الغيب والشهادة بين أنه تعالى عالم بجميع ما يأتون وما يذرون من الأفعال والأقوال وأنه لا فرق بالنسبة إليه بين السر والعلن فقال (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ) فى نفسه (وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) أظهره لغيره (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ) مبالغ فى الاختفاء* كأنه مختف (بِاللَّيْلِ) وطالب للزيادة (وَسارِبٌ) بارز يراه كل أحد (بِالنَّهارِ) من سرب سروبا أى برز وهو عطف على من هو مستخف أو على مستخف ومن عبارة عن الاثنين كما فى قوله[تعال فإن عاهدتنى لا تخوننى * نكن مثل من ياذئب يصطحبان] كأنه قيل سواء منكم اثنان مستخف بالليل وسارب بالنهار والاستواء وإن أسند إلى من أسر ومن جهر وإلى المستخفى والسارب لكنه فى الحقيقة مسند إلى ما أسره وما جهر به أو إلى الفاعل من حيث هو فاعل كما فى الأخيرين وتقديم الأسرار والاستخفاء لإظهار كمال علمه تعالى فكأنه فى التعلق بالخفيات أقدم منه بالظواهر وإلا فنسبته إلى الكل سواء لما عرفته آنفا (لَهُ) أى لكل ممن* أسر أو جهر والمستخفى أو السارب (مُعَقِّباتٌ) ملائكة تعتقب فى حفظه جمع معقبة من عقبه مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه كأن بعضهم يعقب بعضا أو لأنهم يعقبون أقواله وأفعاله فيكتبونه أو اعتقب فأدغمت التاء فى الفاف والتاء للمبالغة أو المراد بالمعقبات الجماعات وقرىء معاقيب جمع معقب أو معقبة على* تعويض الياء من إحدى القافين (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) من جميع جوانبه أو من الأعمال ما قدم وأخر* (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) من بأسه حين أذنب بالاستمهال والاستغفار له أو يحفظونه من المضار أو