(قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥٩)
____________________________________
تعالى المسلوكة فيما بين عباده لا استبعاد ذلك بالنسبة إلى قدرته سبحانه كما ينبىء عنه قول الملائكة (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) دون أن يقولوا من الممترين أو نحوه (قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ) استفهام إنكارى أى لا يقنط (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) المخطئون طريق المعرفة والصواب فلا يعرفون سعة رحمته وكمال علمه وقدرته كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام (لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) ومراده نفى القنوط عن نفسه على أبلغ وجه أى ليس بى قنوط من رحمته تعالى وإنما الذى أقول لبيان منافاة حالى لفيضان تلك النعمة الجليلة على وفى التعرض لوصف الربوبية والرحمة مالا يخفى من الجزالة وقرىء بضم النون وبكسرها من قنط بالفتح ولم تكن هذه المفاوضة من الملائكة مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام خاصة بل مع سارة أيضا حسبما شرح فى سورة هود ولم يذكر ذلك ههنا اكتفاء بما ذكر هناك كما أنه لم يذكر هذه هناك اكتفاء بما ذكر ههنا (قالَ) أى إبراهيم عليه الصلاة والسلام وتوسيطه بين قوله السابق وبين قوله (فَما خَطْبُكُمْ) أى أمركم وشأنكم الخطير الذى لأجله أرسلتم سوى البشارة (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) صريح فى أن بينهما مقالة مطوية لهم أشير به إلى مكانها كما فى قوله تعالى (قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) الآية فإن قوله الأخير ليس موصولا بقوله الأول بل هو مبنى على قوله تعالى (فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) فإن توسيط قال بين قوليه للإيذان بعدم اتصال الثانى بالأول وعدم ابتنائه عليه بل غيره ثم خطابه لهم عليهم الصلاة والسلام بعنوان الرسالة بعد ما كان خطابه السابق مجردا عن ذلك مع تصديره بالفاء دليل على أن مقالتهم المطوية كانت متضمنة لبيان أن مجيئهم ليس لمجرد البشارة بل لهم شأن آخر لأجله أرسلوا فكأنه قال عليه الصلاة والسلام إن لم يكن شأنكم مجرد البشارة فماذا هو فلا حاجة إلى الالتجاء إلى أن علمه عليه الصلاة والسلام بأن كل المقصود ليس البشارة بسبب أنهم كانوا ذوى عدد والبشارة لا تحتاج إلى عدد ولذلك اكتفى بالواحد فى زكريا عليه الصلاة والسلام ومريم ولا إلى أنهم بشروه فى تضاعيف الحال لإزالة الوجل ولو كانت تمام المقصود لا بتدموا بها فتأمل (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) هم قوم لوط لكن وصفوا بالإجرام وجىء بهم بطريق التنكير ذما لهم واستهانة بهم (إِلَّا آلَ لُوطٍ) استثناء متصل من الضمير فى مجرمين أى إلى قوم أجرموا جميعا إلا آل لوط فالقوم والإرسال شاملان للمجرمين وغيرهم والمعنى إنا أرسلنا إلى قوم أجرم كلهم إلا آل لوط لنهلك الأولين* وننجى الآخرين ويدل عليه قوله تعالى (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) أى لوطا وآله (أَجْمَعِينَ) أى مما يصيب القوم فإنه