الجهة الخامسة
لايخفى عليك ان اطلاق الصيغة يقتضي كون الوجوب نفسيا تعيينيا عينيا ، من جهة احتياج غيره من الغيري والتخييري والكفائي إلى مؤنة زائدة غير مناسبة مع قضية الاطلاق ، إذ يحتاج الغيري إلى تقيد وجوبه بتقدير دون تقدير وهو تقدير وجوب أمر آخر ، والتخييري إلى بيان انه واجب على تقدير عدم الاتيان ببدله فيحتاج إلى بيان لفظ ( أو ) مثلا بقوله : يجب هذا أو ذاك ، والكفائي إلى التقيد بصورة عدم اقدام الغير. وهذا بخلافه في النفسي التعييني العيني ، فإنه واجب على كل تقدير ، فكان هذه القيود كلها يدفعها قضية اطلاق الصيغة.
الجهة السادسة
إذا ورد أمر عقيب الحظر أو توهمه ، فهل هو ظاهر في الوجوب؟ كما لو لم يكن في البين حظر ولا توهمه ، أو لا؟ وعلى الثاني فهل هو ظاهر في الاستحباب؟ أو في الإباحة؟ كما ينسب إلى المشهور ، أو انه تابع لما قبل النهى لو علق الامر على زوال علة النهى؟ أو مطلقا؟ وجوه بل أقوال. والظاهر أن مورد النزاع ومحل الكلام بينهم انما هو في مورد كان متعلق الامر بعينه هو المتعلق للنهي من حيث العموم والخصوص كما في قوله : لاتكرم النحويين ، أو لاتكرم زيدا ، وقوله بعد ذلك : أكرم النحويين ، أو أكرم زيدا ، والا فمع اختلاف متعلق الأمر والنهي من جهة العموم والخصوص كان خارجا عن موضوع هذا النزاع نظير قوله : لاتكرم النحويين ، وقوله : أكرم الكوفيين منهم ، فإنه في مثله لابد من التخصيص أو التقييد الكاشف عن عدم تعلق النهى بالخاص من أول الامر ، كما يشهد لذلك بناء العرف في نحو ذلك بحمل العام والمطلق فيها على الخاص والمقيد.
وحينئذ فبعد أن اتضح مورد النزاع بينهم ، نقول : بأنه ان بنينا على حجية أصالة الحقيقة من باب التعبد العقلائي فلا شبهة في أن لازمه هو الحمل على الوجوب ما لم يكن