وحينئذ فالأولى في الجواب انما هو بجعل التقسيم المزبور بلحاظ مقام التحميل ومرحلة البعث والا لزام لا بلحاظ لب الإرادة وعليه يكون الواجب الغيري هو الذي امر به لأجل التوصل به إلى وجود واجب آخر ثبت وجوبه بتحميل مستقل ، والواجب النفسي ما لايكون كذلك ، فيرتفع حينئذ الاشكال المزبور في الواجبات النفسية في مثل الصوم والصلاة والحج ونحوها في الشرعيات ، ومثل شراء اللحم وسقى الماء في العرفيات ، لأنه فيما لما لم يثبت تحميل وايجاب على ما يترتب عليها من الاغراض كان ايجابها ايجابا نفسيا بحسب مقام التحميل ، وان كان غيريا بحسب لب الإرادة على ما عرفت. ولا منافاة أيضا بين غيرية الشيء ومقدميته بحسب لب الإرادة وبين نفسيته بحسب مرحلة التحميل والايجاب ، إذ يمكن ان يكون الشيء مع كونه غيريا بحسب لب الإرادة نفسيا بحسب مقام التحميل. ثم انه مما يشهد على ما ذكرنا أيضا من كون التقسيم بلحاظ مقام التحميل لا بلحاظ لب الإرادة تعريفهم الواجب الغيري بما ذكرنا ، بأنه ما امر به لأجل التوصل إلى وجود واجب آخر لا ما امر به لأجل التوصل به إلى امر آخر ولو لم يرد تحميل بالنسبة إليه ، كما هو واضح.
ومن التقسيمات تقسيمه أيضا إلى النفسي والتهيئي
والمراد من الواجب التهيئي هو ما كان المقصود من ايجابه التوصل به إلى ايجاب شيء آخر. وعمدة الغرض من هذا التقسيم انما هو الفرار عن شبهة المقدمات المفوتة للواجبات الموقتة قبل وقتها ، فإنهم بعد أن بنوا على عدم فعلية التكليف بالموقت قبل حصول وقته أشكل عليهم وجوب مقدماته الوجودية قبل حصول الوقت ، فمن ذلك التزموا بوجوبها وجوبا تهيئيا فرارا عن محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها ، فصاروا في مقام هذا التقسيم ، والا فعلى ما ذكرنا من فعلية الوجوب في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها وشرائطها لايحتاج إلى مثل هذا التقسيم ، ومن ذلك أيضا لم يكن لهذا القسم من الواجب عين ولا اثر في كلمات القدماء ، وانما حدث ذلك في زمان المتأخرين من جهة شبهة وجوب المقدمات المفوتة في الموقتات والمشروطات قبل حصول وقتها وشرائطها. وعلى كل حال نقول : بان هذا التقسيم أيضا كسابقه كان بلحاظ مقام التحميل والايجاب المنتزع عن مرحلة ابراز الإرادة واظهارها ، لا بلحاظ لب الإرادة والاشتياق ، والا فبحسب لب الإرادة لا تخلو إرادة الشيء عن النفسية والغيرية ، كما لايخفى.