موضوعا للربط الخاص الذي كان بين مفهوم الماء ومفهوم الكوز ، وهكذا لفظ من في قولك : سرت من البصرة والى وعلى وحتى ونحوها من الحروف بل الهيئات أيضا كما سيأتي إن شاء الله ، فيكون الجميع موضوعا للروابط الخاصة الذهنية بين المفهومين لكن لا مفهوم الربط الذي هو معنى اسمي بل ما هو واقع الربط الذهني ومصداقه بالحمل الشايع ، فإنك إذا لاحظت السير الخاص المضاف بدوه إلى البصرة وكذلك الماء والكوز تجد في نفسك أمورا ثلاثة : مفهوم السير ومفهوم البصرة والتعلق الخاص بينهما ، وهكذا في مثال الماء في الكوز ، فكان لفظ في ولفظ من في المثالين موضوعا لذاك الربط والتعلق الخاص الذي بين مفهوم السير والبصرة ومفهوم الماء والكوز لأنه كما يحتاج مفهوم السير والبصرة ومفهوم الماء والكوز إلى لفظ خاص يحكى عنه في مقام تفهيم المقصود واظهار ما في الضمير كذلك ذلك الربط والتعلق الخاص بينهما حيث لايكاد يغنى عنه الألفاظ الموضوعة للمفاهيم الاسمية التي بها تقوم تلك الروابط والإضافات الخاصة كما هو واضح.
ثم إن الفرق بين هذا المشرب وسابقه أيضا واضح فان المعنى الحرفي على المشرب السابق كان من قبيل المحمولات بالضميمة المرتبط وجودها بالغير نظير الاعراض الخارجية كالسواد والبياض بخلافه على هذا المشرب الأخير فان المعنى الحرفي على ذلك كان من سنخ الروابط والإضافات المتقومة بالطرفين. وبعبارة أخرى : المعنى الحرفي على المشرب المتقدم عبارة عن الشيء المرتبط وجوده بالغير وعلى المشرب الأخير عبارة عن نفس الربط بين الطرفين فالفرق بينهما واضح.
وكيف كان فهذه مشارب أربعة في الحروف والمتعين منها هو المشرب الأخير. وذلك : اما المشرب الأول منها فلما عرفت فساده وبطلانه بما لا مزيد عليه ، واما المشرب الثاني منها الذي اختاره الفصول والكفاية ( قدس سرهما ) فلانه لا سبيل إلى دعواه أيضا ، وذلك مضافا إلى ما فيه من مخالفته لما عليه الوجدان والارتكاز من انسباق الروابط الخاصة في موارد استعمالها ربما يساعد البرهان على خلافه أيضا ، وذلك من جهة وضوح انه انما يمكن المصير إلى ذلك فيما لو أمكن جعل المفهوم الكلي كمفهوم الابتداء مثلا مرآة إلى مصاديق النسب الابتدائية الذهنية بين المفهومين بخصوصياتها التفصيلية وهو من المستحيل جدا ، بداهة ان مصاديق الروابط الخاصة التفصيلية مما يباين مفهوم الابتداء الكلي أو النسبة الابتدائية ومعه كيف يمكن حكاية الكلي بما هو كلي عن الروابط