المأمور به متصلا بطلب الآمر. وفيه ان قضية الامر بشيء ليست الا البعث نحوه بالايجاد فإذا كان المتعلق هو الطبيعي الجامع بين الفرد الحالي والفرد الاستقبالي فلا جرم لايقتضي الامر به أيضا الا ايجاد تلك الطبيعة بما انها جامعة بين الفرد الحالي والاستقبالي ، وما ذكر من امتناع تخلف الإرادة ولو التشريعية عن المراد متصلا بها كلام شعري وسيأتي بطلانه أيضا في مبحث المعلق والمشروط بما لا مزيد عليه إن شاء الله تعالى.
ومنها : قوله سبحانه : « وسارعوا إلى مغفرة من ربكم » بتقريب الدلالة فيه على وجوب الاستباق والمسارعة نحو المأمور به بالايجاد على ما هو قضية ظهور الامر في الوجوب. وفيه أيضا انه بعد الغض عما يرد عليه من لزوم تخصيص الأكثر لخروج المندوبات طرا وخروج كثير من الواجبات أيضا كالصلاة اليومية ونحوها ، نقول : بأنه انما يتم ذلك لولا قضية الارتكاز العقلي بحسن المسارعة والاستباق إلى ايجاد المأمور به والا فمع هذا الارتكاز لا جرم يكون الامر بالمسارعة ارشادا محضا ومعه لا مجال لجعله دليلا على وجوب الفور والمسارعة ، كما لايخفى.
بقى الكلام في أنه على هذا القول من وجوب المبادرة والاستعجال ، هل الواجب هو الاتيان بالمأمور به فورا ففورا بحيث لو لم يأت المكلف بالمأمور به في الآن الأول بعد الامر يجب عليه الاتيان به في الآن الثاني ولايجوز التراخي؟ أم لا بل يجوز له التراخي في الآن الثاني كما لو لم يجب عليه الفور في الآن الأول؟ أو ان قضية ذلك هو سقوط التكليف عن المأمور به في الآن الثاني رأسا عند الاخلال بالفور في الآن الأول ولو من جهة كونه من قبيل وحدة المطلوب؟ فيه وجوه : أظهرها أولها ، كما هو قضية استدلالهم بآية المسارعة والاستباق حيث إن من المعلوم ان الآية انما هو في مقام بيان المسارعة إلى الخيرات فورا ففورا ، بل ذلك أيضا مما تقتضيه قضية استدلالهم بذلك البرهان العقلي المزبور إذ مقتضاه أيضا هو لزوم الاتيان بالمأمور به فورا ففورا ، كما هو واضح.
وأما الاحتمال الأخير وهو احتمال سقوط التكليف في ثاني الحال عن المأمور به لو لم يأت المكلف به في الآن الأول فهو أبعد الوجوه ولا يساعد عليه استدلالهم بل ولا كلماتهم أيضا ، إذ لا يستفاد من كلماتهم تقيد المأمور به بالفور والاستعجال كي يلزمه سقوط التكليف في ثاني الحال ، وحينئذ فيكون هذا الاحتمال مما يقطع بعدم ارادته القائل بالفور ، ومعه يدور الامر بين الوجهين الأولين وعند ذلك قد عرفت تعين الوجه