التوحيد كأنه أمر وصّاهم به ووثقه عليهم ، وهو معنى قوله تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] إذ أخذ الميثاق عليهم من الكتب المنزلة عليهم كقوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة : ٤٠] وقال آخرون : العهد الذي ذكره تعالى هو العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم الذي وصف في قوله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا) [الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣] ، ونقضهم ذلك تركهم الوفاء به ، وهكذا روي عن مقاتل بن حيان أيضا ، حكى هذه الأقوال ابن جرير في تفسيره.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ـ إلى قوله ـ (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قال : هي ست خصال من المنافقين إذا كانت فيهم الظهرة (١) على الناس أظهروا هذه الخصال ، إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا ، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه ، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وأفسدوا في الأرض ، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الخصال الثلاث : إذا حدثوا كذبوا ، وإذا وعدوا أخلفوا ، وإذا اؤتمنوا خانوا. وكذا قال الربيع بن أنس أيضا ، وقال السدي في تفسيره بإسناده قوله تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) قال : هو ما عهد إليهم في القرآن ، فأقروا به ثم كفروا فنقضوه.
وقوله : (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) قيل : المراد به صلة الأرحام والقرابات ، كما فسره قتادة كقوله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢] ورجحه ابن جرير ، وقيل : المراد أعم من ذلك فكل ما أمر الله بوصله وفعله فقطعوه وتركوه. وقال مقاتل بن حيان في قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قال : في الآخرة ، وهذا كما قال تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد : ٢٥] وقال الضحاك عن ابن عباس : كل شيء نسبه الله إلى غير أهل الإسلام من اسم مثل خاسر فإنما يعني به الكفر ، وما نسبه إلى أهل الإسلام ، فإنما يعني به الذنب. وقال ابن جرير (٢) في قوله تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الخاسرون : جمع خاسر ، وهم الناقصون أنفسهم حظوظهم بمعصيتهم الله من رحمته كما يخسر الرجل في تجارته بأن يوضع من رأس ماله في بيعه وكذلك المنافق والكافر خسر بحرمان الله إياه رحمته التي خلقها لعباده في القيامة أحوج ما كانوا إلى رحمته ، يقال منه : خسر الرجل يخسر خسرا وخسرانا وخسارا كما قال جرير بن عطية : [الرجز]
إن سليطا في الخسار إنّه |
|
أولاد قوم خلقوا أقنّه (٣) |
__________________
(١) أي إذا كانت لهم الغلبة على الناس.
(٢) تفسير الطبري ١ / ٢٢٢.
(٣) الرجز لجرير في ديوانه ص ١٠١٧ ؛ ولسان العرب (قنن) ؛ وأساس البلاغة (قنن)؟ وديوان الأدب ـ