الْمَلَكَيْنِ) ويقول : هما علجان من أهل بابل ، ووجه أصحاب هذا القول الإنزال بمعنى الخلق لا بمعنى الإيحاء كما في قوله تعالى (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) كما قال تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦] (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) [الحديد : ٢٥] ، (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) [غافر : ١٣] وفي الحديث «ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء» وكما يقال «أنزل الله الخير والشر».
وحكى القرطبي (١) عن ابن عباس وابن أبزى والحسن البصري أنهم قرءوا (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) بكسر اللام ، قال ابن أبزى : وهما داود وسليمان ، قال القرطبي : فعلى هذا تكون ما نافية أيضا. وذهب آخرون إلى الوقف على قوله (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) وما نافية. قال ابن جرير (٢) : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسأله رجل عن قول الله (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) فقال : الرجلان يعلمان الناس ما أنزل عليهما ويعلمان الناس ما لم ينزل عليهما ، فقال القاسم : ما أبالي أيتهما كانت. ثم روى عن يونس عن أنس بن عياض عن بعض أصحابه أن القاسم قال في هذه القصة : لا أبالي أي ذلك كان (٣) ، إني آمنت به. وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء ، وأنهما أنزلا إلى الأرض ، فكان من أمرهما ما كان ، وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده رحمهالله كما سنورده إن شاء الله ، وعلى هذا فيكون الجمع بين هذا وبين ما ورد من الدلائل على عصمة الملائكة أن هذين سبق في علم الله لهما هذا ، فيكون تخصيصا لهما فلا تعارض حينئذ كما سبق في علمه من أمر إبليس ما سبق ، وفي قوله إنه كان من الملائكة لقوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) [البقرة : ٣٤] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك ، مع أن شأن هاروت وماروت على ما ذكر أخف مما وقع من إبليس لعنه الله تعالى. وقد حكاه القرطبي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار والسدي والكلبي.
ذكر الحديث الوارد في ذلك إن صح سنده ورفعه وبيان الكلام عليه
قال الإمام أحمد بن حنبل (٤) رحمهالله تعالى في مسنده : أخبرنا يحيى بن بكير ، حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه سمع نبي اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : «إن آدم عليهالسلام لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة : أي رب
__________________
(١) تفسير القرطبي ٢ / ٥٢.
(٢) الطبري ١ / ٤٩٩.
(٣) بعد ما سألوه : أأنزل أم لم ينزل ، كما ورد في الطبري.
(٤) مسند أحمد (ج ٢ ص ١٣٤)