القاتل من غير ضرر ولا معك (١) يعني المدافعة ، وروى الحاكم من حديث سفيان عن عمرو ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ويؤدي المطلوب بإحسان. وكذا قال سعيد بن جبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان.
[مسألة] قال مالك رحمهالله في رواية ابن القاسم عنه وهو المشهور ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي وأحمد في أحد قوليه : ليس لولي الدم أن يعفو على الدية إلا برضا القاتل. وقال الباقون : له أن يعفو عليها وإن لم يرض.
[مسألة] وذهب طائفة من السلف إلى أنه ليس للنساء عفو ، منهم الحسن وقتادة والزهري وابن شبرمة والليث والأوزاعي ، وخالفهم الباقون.
وقوله : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) يقول تعالى : إنما شرع لكم أخذ الدية في العمد تخفيفا من الله عليكم ورحمة بكم مما كان محتوما على الأمم قبلكم من القتل أو العفو ، كما قال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار ، أخبرني مجاهد عن ابن عباس قال : كتب على بني إسرائيل القصاص في القتلى ، ولم يكن فيهم العفو ، فقال الله لهذه الأمة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) فالعفو أن يقبل الدية في العمد وقد رواه غير واحد عن عمرو ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن عمرو بن دينار ، ورواه جماعة عن مجاهد عن ابن عباس بنحوه. وقال قتادة (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ) رحم الله هذه الأمة وأطعمهم الدية ولم تحل لأحد قبلهم فكان أهل التوراة : إنما هو القصاص وعفو ليس بينهم أرش ، وكان أهل الإنجيل : إنما هو عفو أمروا به وجعل لهذه الأمة القصاص والعفو والأرش (٢) ، وهكذا روي عن سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس نحو هذا.
وقوله (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) يقول تعالى : فمن قتل بعد أخذ الدية أو قبولها ، فله عذاب من الله أليم موجع شديد ، وهكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي ومقاتل بن حيان أنه هو الذي يقتل بعد أخذ الدية ، كما قال محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل ، عن سفيان بن أبي العوجاء ، عن أبي شريح الخزاعي ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أصيب بقتل أو خبل (٣) فإنه يختار إحدى ثلاث : إما أن يقتص ، وإما أن يعفو ، وإما أن يأخذ الدية ، فإن أراد الرابعة ، فخذوا على يديه ، ومن اعتدى بعد ذلك فله نار جهنم خالدا فيها» رواه أحمد (٤) ، وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن
__________________
(١) معكه : بالقتال والخصومة. لواه ، ومعكه في دينه : مطله به.
(٢) الأرش : دية الجراحة. وما يستردّ من ثمن المبيع إذا ظهر فيه عيب.
(٣) الخبل : الجراح ، كما في رواية المسند.
(٤) المسند (ج ٤ ص ٣١)